130

ونحن لا نتمنى لفلسطين ذلك الشطط الذي تمادى فيه بعض السافرات في بعض الأقطار الشرقية ... ولكننا نعتقد أن تيسير الحجاب والتخفيف من قيوده الثقيلة نافعان للمجتمع الفلسطيني في مرحلته الحاضرة، ولعلهما نافعان له جد النفع في مكافحة «تل أبيب» ومغرياتها؛ لأن الفتى الذي يصحب خطيبته أو زوجته في رياضته اليومية يشعر بالأمانة الزوجية ماثلة أمام عينيه في بيته وفي طريقه، وتغنيه هذه الصحبة المشروعة عن تلك الصحبة الموبقة التي تذهله عن كرامته وماله وقضية بلاده.

ولسلطان البادية القوي أثر في السياسة الفلسطينية؛ لأن الزعماء هناك هم - بطبيعة تكوين المجتمع - رؤساء العشائر وعمداء البيوت العريقة في الحواضر، ولهم من النفوذ في السياسة بمقدار ما لهم من الأشياع والأتباع والأقرباء، وأنصار العصبيات، وهم الذين نهضوا بأعباء الحركة في أشدها، وتعرضوا لمخاطر الموت والإبعاد من أجلها ...

وقد أضيف إلى هذا العامل الموروث عامل مكتسب من نفوذ الدين، أو نفوذ الرئاسة الرسمية، بل أضيف إليه ما تقضي به أطوار العصر من رعاية البرامج والمبادئ التي تتعلق بها آمال الشعوب في الزمن الحديث ...

ولا تخلو فلسطين من ذلك القلق الذي يخامر نفوس الشباب، ويعجلهم عن الصبر والانتظار، ومطاولة الأحوال التي درجت عليها السياسة في أيدي الرؤساء والعمداء ...

وقد سألني بعضهم سؤالا صريحا في حفل حاشد عن الزعامة السياسية والبرامج الوطنية، فقال موجها إلي الخطاب: ألا ترى أن ينفرد الشباب بقيادة الحركة القومية دون الرؤساء والعمداء؟

فلمحت على وجوه الحاضرين أن صاحب السؤال ينوب في الحقيقة عن الأكثرين منهم، وأنه يعبر عن خاطر يساورهم ويدور عليه النقاش الطويل فيما بينهم، فقلت: إن الشباب يستطيع أن يسمع صوته فلا يقوى الزعماء على إغفاله، ولا يزال للشباب عمل كثير يضطلع به في خدمة وطنه قبل أن يتصدى لمهمة الزعامة الشعبية، ولكنه إذا رزق الألمعية النادرة التي ترشحه لقيادة قومه، فإن هذه الهبة الفطرية لن تخفى على أحد، ولن تحول الحوائل دونه ودون القيادة التي يستحقها، إذ لا حاجة به يومئذ إلى التوسل والرجاء في طلب الاعتراف له بالكفاءة الممتازة والزعامة الموهوبة؛ لأن الكفاءة الممتازة تفرض مكانتها على من يعرفها ومن ينكرها على السواء. •••

والفلسطيني وسط بين المصري وبين السوري واللبناني في الإقدام على الهجرة، والتمرس بالمحاولات الاقتصادية في بلاده أو في البلاد الأجنبية ... فهو لا يهاجر كما يهاجر السوريون واللبنانيون ...

وهو أجرأ على إنفاق المال من أبناء الأمم التي تعودت المحاسبة على الموارد والمصارف، وانتظمت على الموازنة بين الأرباح والخسائر، منذ عهد بعيد ...

ولم يزل إلى زمن قريب يعول على تربية الماشية والزراعة، ويعول معها أحيانا على التجارة الدورية التي تجري في مواسمها على سنة الزراعة والثروة الطبيعية ...

وفي طبعه استقلال البدوي الذي تثقل عليه رياضة الحياة المدنية، وتعنته بما فيها من الموانع والقيود ...

Bog aan la aqoon