18
ويقول:
قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم * يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .
19
ويقول جل شأنه في بيان من تكون لهم الصدقات:
إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم .
20
الزكاة والصدقة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، لكن أعبادة هذا الفرض، أم هو أدخل في الأخلاق وتهذيبها؟ هو عبادة لا ريب؛ فالمؤمنون إخوة، ولا يتم إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. فالمؤمنون يتحابون بنور الله بينهم. وفريضة الزكاة والصدقة تتصل بهذا الإخاء، ولا تتصل بالأخلاق وتهذيبها ولا بالمعاملات وتنظيمها. وما اتصل بالإخاء اتصل بالإيمان بالله. وكل ما اتصل بالإيمان فهو عبادة. ولذلك كانت الزكاة ركنا من أركان الإسلام الخمسة. ومن أجل ذلك قام أبو بكر بعد وفاة النبي يطالب المسلمين بأدائها، فلما رأى بعضهم النكول عنها، رأى خليفة محمد في هذا النكول ضعفا في إيمانهم وتفضيلا للمال عليه، وخروجا على النظام الروحي الذي نزل به القرآن، وارتدادا بذلك عن الإسلام، فكانت حروب الردة التي ثبت بها أبو بكر رسالة الإسلام كاملة، والتي بقيت فخرا على الأيام.
واعتبار الزكاة والصدقة فرضا متصلا بالإيمان، يجعلهما بعض النظام الروحي الذي يجب أن ينتظم حضارة العالم. وهذا أسمى ما تبلغ إليه الحكمة وما يكفل للناس سعادتهم. فالمال والحرص عليه والاستكثار منه واتخاذه وسيلة لاستعلاء الإنسان على الإنسان، كان ولا يزال سببا لشقاء العالم ومصدرا للثورات والحروب فيه. وعبادة المال كانت ولا تزال سبب التدهور الخلقي الذي أصاب العالم، والذي لا يزال العالم يرزح تحت أعبائه. والاستكثار من المال والحرص عليه هو الذي قضى على الإخاء الإنساني، وجعل الناس بعضهم لبعض عدوا. ولو أنهم كانوا أصح نظرا وأسمى تفكيرا؛ لرأوا الإخاء أدعى للسعادة من المال، ولرأوا بذل المال للمحتاج أكبر جاها عند الله والناس من إذلال الناس لهذا المال. ولو أنهم آمنوا بالله حقا لتآخوا فيما بينهم، ولكان أدنى مظاهر تآخيهم إغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، ومحو الشقاء عمن تجر المتربة ويجر الفقر عليهم هذا الشقاء. وإذا كانت بعض الدول السامية الحضارة، في وقتنا الحاضر، تقيم شعوبها المستشفيات والمنشآت الخيرية لإيواء البائس ، والبر بالمحروم، ورعاية الفقير، باسم الشفقة الإنسانية، فإن إقامة هذه المنشآت بدافع الإخاء والتحاب في الله والشكر له على نعمته أسمى في الفكرة وأدعى إلى سعادة الناس جميعا. قال تعالى:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين .
Bog aan la aqoon