محمد عليه الصلاة والسلام
بهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه، وله تهتز ملايين القلوب كل يوم مرات. وهذه الشفاه والقلوب به تنطق وله تهتز منذ أربعمائة وألف سنة إلا خمسين. وبهذا الاسم الكريم ستنطق ملايين الشفاه وتهتز ملايين القلوب إلى يوم الدين. فإذا كان الفجر من كل يوم وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أهاب المؤذن بالناس أن الصلاة خير من النوم. ودعاهم إلى السجود لله والصلاة على رسوله، فاستجاب له الألوف والملايين في مختلف أنحاء المعمورة يحيون بالصلاة رحمة الله وفضله متجليين في مطلع كل نهار. وإذا كانت الظهيرة وزالت الشمس أهاب المؤذن بالناس لصلاة الظهر، ثم لصلاة العصر فالمغرب فالعشاء. وفي كل واحدة من هذه الصلوات يذكر المسلمون محمدا عبد الله ونبيه ورسوله في ضراعة وخشية وإنابة، وهم فيما بين الصلوات الخمس ما يكادون يسمعون اسمه حتى تجف قلوبهم بذكر الله وبذكر مصطفاه. كذلك كانوا وكذلك سيكونون حتى يظهر الله الدين القيم ويتم نعمته على الناس أجمعين.
الإمبراطورية الإسلامية الأولى
ولم يك محمد في حاجة إلى زمان طويل ليظهر دينه وينتشر في الخافقين لواؤه، فقد أكمل الله للمسلمين دينهم قبيل وفاته، ويومئذ وضع هو خطة انتشار الدين فبعث إلى كسرى وإلى هرقل وإلى غيرهما من الملوك والأمراء كي يسلموا، ولم تمض خمسون ومائة سنة من بعد ذلك حتى كان علم الإسلام خفاقا من الأندلس في غرب أوروبا إلى الهند وإلى التركستان وإلى الصين في شرق آسيا؛ وبذلك وصلت الشام والعراق وفارس وأفغانستان - وقد أسلمت كلها - ما بين بلاد العرب ومملكة ابن السماء، كما وصلت مصر وبرقة وتونس والجزائر ومراكش ما بين أوروبا وإفريقية ومبعث محمد عليه السلام. ومن يومئذ إلى يومنا هذا بقي علم الإسلام مرفرفا على هذه الربوع جميعا، خلا الأندلس التي أغارت النصرانية عليها فعذبت أهلها وأذاقتهم ألوانا من الشدة والبأس. ولم يطق أهلها صبرا على الحياة، فعاد منهم من عاد إلى إفريقية، ورد الهول والفزع من ارتد منهم عن دينه ودين أبيه إلى دين العتاة والمعذبين.
على أن ما خسره الإسلام في الأندلس من غرب أوروبا كان له عنه العوض حين فتح العثمانيون القسطنطينية ومكنوا لدين محمد فيها. هنالك امتدت كلمته إلى البلقان كلها، وانبلج نوره في روسيا وفي بولونيا، وخفقت أعلامه على أضعاف ما كانت تخفق عليه من أرض إسبانيا. ومن يوم انتشر الإسلام في صولته الأولى إلى يومنا لم يتغلب عليه من الأديان متغلب، وإن تغلب على أممه من شدائد الظلم وألوان التحكم ما جعلها أشد بالله إيمانا، ولحكمه إسلاما، وفي رحمته وفي غفرانه أملا ورجاء.
الإسلام والمسيحية
هذه القوة التي انتشر الإسلام بها سرعان ما وقفته وجها لوجه أمام المسيحية وقفة نضال مستميت. لقد تغلب محمد على الوثنية، ومحا من بلاد العرب - كما محا خلفاؤه الأولون من بلاد الفرس والأفغان وطائفة كبيرة من بلاد الهند - أثرها. ولقد تغلب خلفاء محمد على المسيحية في الحيرة واليمن والشام ومصر إلى مهد المسيحية مدينة قسطنطين. أفقدر على المسيحية ما قدر على الوثنية من اضمحلال وهي دين كتاب من الأديان التي أشاد بها محمد ونزل الوحي بنبوة صاحبها؟ وهل قدر لهؤلاء العرب - عرب البادية الزاحفين من شبه الجزيرة الصحراوية القاحلة - أن يضعوا أيديهم على حدائق الأندلس وبزنطية وسائر البلاد المسيحية؟ الموت ولا هذا! واستمر القتال بين أتباع عيسى وأتباع محمد قرونا متتالية. ولم يقف القتال عند حرب الأسنة والمدافع، بل تعداها إلى ميادين الجدل والنضال الكلامي. جاء المقاتلون فيها بأسماء عيسى ومحمد، وجعل كل فريق يلتمس الوسيلة لتأليب السواد واستثارة حماسة الجماهير وتعصبها.
المسلمون وعيسى
على أن الإسلام حال بين المسلمين وبين الحط من مقام عيسى، إنه عبد الله آتاه الكتاب وجعله نبيا، وجعله مباركا أينما كان، وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيا، وبرا بوالدته ولم يجعله جبارا شقيا، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. أما المسيحيون فقد جعل الكثيرون منهم يعرضون بمحمد وينعتونه بأوصاف يبرأ منها المهذب من الرجال؛ شفاء لما في نفوسهم من غل، واستفزازا وحفزا لشهوات الناس الدنيا. وعلى رغم ما يقال من أن الحروب الصليبية وضعت أوزارها منذ مئات السنين ظل تعصب الكنيسة المسيحية على محمد على أشده إلى عصور قريبة. ولعله كذلك ما يزال إن لم يك أشد، وإن كان خفيا يعمل في ظلمات التبشير بالدون من الوسائل. ولم يقف الأمر عند الكنيسة بل تعداها إلى كتاب وفلاسفة في أوروبا وفي أمريكا لم تك تصلهم بالكنيسة صلة تذكر.
المسيحيون المتعصبون ومحمد
Bog aan la aqoon