Noloshii Ibn Khaldun
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
Noocyada
في هذا البيت - الذي تقلب رجاله في أطوار خطرة، ثم بسط فيه العلم أشعة باهرة - ولد أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في غرة رمضان سنة 732، فكانت نشأة ابن خلدون في أسرة امتطت ذرى الرياسة، وخفق فيها روح العلم والأدب؛ مما ساعد ذكاءه الفطري على أن يشتعل بشدة، وجعل نفسه الزكية بمقربة من الهمم الكبيرة.
نشأ ابن خلدون وكانت رياض العلم في مدينة تونس زاهية، وسوق الأدب نافقة، فاستظهر بالقرآن، وتلقى فن الأدب عن والده، ثم أقبل يجتني ثمار العلوم بشغف، ويتردد على مجالسة العلماء الراسخين: مثل قاضي القضاة محمد بن عبد السلام، والرئيس أبي محمد الحضرمي، والعلامة الآبلي. ولم يكد يستوفي سن العشرين حتى تجلت عبقريته، واستدعاه أبو محمد بن تافراكين المستبد وقتئذ إلى كتابة العلامة عن السلطان أبي إسحاق وهي: «الحمد لله والشكر لله» تكتب بالقلم الغليظ ما بين البسملة وما بعدها من مخاطبة أو مرسوم، وهذا مبدأ دخول ابن خلدون في حياته السياسية. (4) عزمه على الارتحال
تولى هذا العمل وهو يطوي ضميره على الرحلة من إفريقية؛ لوحشة أثارها في نفسه ذهاب معظم شيوخه، وانطواء مجالس كانت أنهار علومها دافقة، وقطوف آدابها دانية. ويمكنك من هاهنا أن تعرف لابن خلدون وهو في شرخ شبابه مبدأ من مبادئ الفطرة السليمة، والهمة الشامخة؛ وهو الاستخفاف بالمقام الوجيه لدى الدولة، وإيثار ما فيه كمال نفسي ولذة روحية على مظاهر الأبهة ومواطن الراحة والنعيم. (5) رحلته إلى بجاية
لبث ابن خلدون بعد تقليده رسم العلامة أمدا غير بعيد حتى أمكنته الفرصة من أمنيته، وغادر تونس سنة 753 إلى قفصة ثم إلى بسكرة ونزل فيها ضيفا مكرما لدى صاحبها يوسف بن مزني.
ثم خرج منها قاصدا السلطان أبا عنان وهو يومئذ بتلمسان، فلقيه على الطريق ابن أبي عمرو صاحب بجاية آيبا من تلمسان، فصرفه عن قصد أبي عنان، وحمله على المسير معه إلى بجاية؛ ليغتبط بصحبته، وتزدهي بمثل ابن خلدون أيام دولته. (6) ابن خلدون عند سلطان فاس
لم يكد ابن خلدون يقضي في كنف صاحب بجاية برهة حتى طار صيته، وعبق ذكره في حضرة السلطان أبي عنان، وقد جعل هذا السلطان بعد عوده إلى فاس يؤلف من جلة العلماء مجلسا حافلا، فاستدعاه من بجاية سنة 755 فأكمل به نظام مجلسه العلمي، واختاره للكتابة والتوقيع بين يديه. قال ابن خلدون: «فتحملت هذا العمل على كره مني؛ إذ كنت لم أعهد مثله لسلفي.» (7) اتهامه بالمؤامرة على ما يغضب السلطان
حظي ابن خلدون لدى أبي عنان وارتقى في دولته مكانا عليا، فأخذ حر الحسد يلفح قلوب بعض منافسيه، فأخذوا يبيتون له المكايد، وينصبون له شرك السعاية ، حتى استطاعوا أن يدخلوا إلى إفساد قلب السلطان عليه من باب السياسة؛ إذ رموه بالدخول في مؤامرة مع الأمير محمد صاحب بجاية. ولتهمة الائتمار على نقض شيء مما تبنيه يد الدولة سهام لا تكاد تخسأ، إذا لم تصب المقاتل أوهت العظم وقلقلت الحشا وسلبت الأجفان نومتها الهادئة، وبالأحرى حيث لم تكن قضاياها مما يوكل إلى اجتهاد محكمة عادلة، وإنما ينفرد بسماع بلاغها ويستبد بتقدير عقوبتها أحد الخصمين الذي هو الرئيس الأعلى. (8) ابن خلدون في السجن
انطلت تلك التهمة على فكر أبي عنان فقبض على ابن خلدون والأمير محمد وزجهما في السجن. وكانت هذه النكبة أول ما لقيه ابن خلدون من بلاء السياسة، وأيقن بها أن إقبال الدولة سرعان ما ينقلب إدبارا، وأن عزا تبنيه للرجل صباحا قد يأتي عليه المساء، فإذا هو الدرك الأسفل من الهوان.
ثم إن السلطان أطلق سبيل الأمير محمد، وترك ابن خلدون يقاسي شدة الحبس ويتجرع مرارة المحنة، حتى التجأ في استعطافه وجلب مرضاته إلى وسيلة الشعر والمديح وخاطبه بالقصيدة التي يقول في طالعها:
على أي حال لليالي أعاتب
Bog aan la aqoon