Noloshii Ibn Khaldun
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
Noocyada
تحيي منى نفسي وتذهب بوسي (24) ابن خلدون في مصر
وما برحوا يركبون في السعاية به كل فن حتى شاهد أثرها في معاملة السلطان له، فرام التخلص من مثار هذه الفتنة وابتغى الوسيلة إلى ذلك باستئذان السلطان في السفر لأداء فريضة الحج، وقدم الإسكندرية لمضي عشر ليال من جلوس الملك الظاهر على عرش الملك. ثم انتقل إلى القاهرة، وتصدى للتدريس بالجامع الأزهر، واتصل بالسلطان فأكرم مثواه ، وأعاد ليل غربته ووحشته صباح أنس وطمأنينة. وأولاه وظيفة التدريس بمدرسة القمحة، ثم قلده خطة قضاء المالكية على وفق النظام المتبع لذلك العهد من إقامة قضاة على عدد المذاهب الأربعة، يلقب كل واحد منهم بقاضي القضاة، فتحرى بهذه الخطة صراطا سويا، ولم يدخر وسعا في العمل على إصلاحها وتجديد ما درس من معالمها، ولم تألف العامة الصرامة في إقامة الحق على وجهه الصريح، ولم يعتد ذوو الجاه والشوكة من رجال الدولة إغلاق باب الشفاعة والتوسل في وجوههم. فتعاقد الفريقان على التظلم منه والتهويش عليه لدى السلطان بدعوى أنه غير خبير بالتقاليد المعبر عنها بالمصطلح. وانضم إلى هذه المحنة نكبته في أهله وولده؛ إذ أبحروا من تونس ليلتحقوا به، فغشيتهم ريح عاصف، وهلكوا في البحر غرقا.
وقف السلطان تجاه تلك الشكوى موقف الحكمة فجمع بين الحزم في السياسة وكرم الهمة، ففصله عن الخطة؛ تهدئة لثائرة الجمهور، واستمر على مواصلته بالرعاية والإنعام وفاء بحق العلم، واقتناصا لمفاخر يزدهي بها وجه تاريخه المجيد. (25) ابن خلدون والوزير ابن زمرك
وبعد أن قضى ثلاث سنين عاكفا على التدريس والتحرير خرج لقضاء فريضة الحج سنة 789، وقفل راجعا إلى القاهرة، واتصل حين بلغ الينبع بكتاب يحتوي على شعر ونثر راسله به أبو عبد الله بن زمرك وزير السلطان ابن الأحمر صاحب غرناطة، ولجودة نظمه وصفاء ديباجته بحيث يسوغ لنقاد الأدب أن يضعوه بالمكان الأسمى من الشعر، ويقضوا له بالسبق في حلبة البلاغة؛ رأينا من اللائق بهذه المحاضرة أن نحلي جيدها بطوق من فرائده، ومما يقول في أوائل هذه القصيدة:
ويا زاجري الأظعان وهي ضوامر
دعوها ترد هيما عطاشا على نجد
ولا تنشقوا الأنفاس منها مع الصبا
فإن زفير الشوق من مثلها يعدي
براها الهوى بري القداح وحطها
حزون على صفح من القفز ممتد
Bog aan la aqoon