Nolosha Fikirka Dunida Cusub
حياة الفكر في العالم الجديد
Noocyada
13
لماذا ينقل الأمريكي فكر زميله في أوروبا أو في أي جزء آخر من أجزاء العالم؟ بل لماذا يقلد أي فرد أي فرد آخر، وكل فرد يمثل الحقيقة العليا التي يمثلها زميله سواء بسواء، وإن اختلف الجانب الذي يمثلها فيه؟ «اعتمد على نفسك، ولا تقلد أبدا، لك في هذه اللحظة رسالة جريئة عظيمة كرسالة إزميل «فدياس» الضخم، أو مسطار المصريين، أو قلم «موسى» أو «دانتي»، ولكنها تختلف عن كل هؤلاء، إن الروح الفنية الفصيحة ذات اللسان الذي له ألف شق، لا يمكن أن ترضى بتكرار نفسها، لكنك لو استطعت أن تصغي إلى ما يقوله هؤلاء الشيوخ أمكنك يقينا أن تجيبهم بصوت مرتفع كصوتهم؛ لأن الأذن واللسان عضوان من طبيعة واحدة، فالزم دائرة حياتك الساذجة النبيلة، وأطع قلبك، تستعد الدنيا القديمة مرة أخرى.»
14
ليس بين الأفراد من التفاوت بالقدر الذي يتوهمون ، «فالفروق بين الناس في مواهبهم الطبيعية تافهة إذا قيست إلى ثروتهم المشتركة.»
15
كيف لا، ولكل عقل طريقته في التعبير عما يدور فيه من حقائق نفسه، وكل عقل إنما يكشف عن سر نفسه، ولا يستطيع أن يكشف عن سر عقل سواه «وهل تحسب أن حارس الباب أو الطاهي ليست له قصص أو تجارب أو عجائب؟ كل فرد يعرف بقدر ما يعرف العالم، فجدران العقول الساذجة مخططة كلها بالحقائق والأفكار، ولسوف تظفر ذات يوم بمصباح وتقرأ المخطوط.»
16 «أنعم النظر فيما يستهويك في «فلوطارخس» و«شكسبير» و«سرفانتيز»، تجد أن كل حقيقة يحصل عليها كاتب هي مصباح يسلط كل ضوئه على الوقائع والأفكار التي كانت من قبل في عقله، ثم انظر إلى ما يحدث بعد ذلك، ترى الحصير والمهملات التي كانت منتثرة في برجه قد أصبحت أشياء ثمينة، فكل واقعة تافهة في تاريخ حياته الخاصة تمسي وسيلة لإيضاح هذا المبدأ الجديد، وتعود إلى وضح النهار، وتستهوي الناس جميعا بقوتها وسحرها الجديد، ويتساءل الناس: أنى له هذا؟ ويظنون أن في حياته شيئا مقدسا، كلا، إن لديهم ألوف الوقائع التي لا تقل عن ذلك قيمة، وما عليهم إلا أن يحصلوا على مصباح ينبشون في ضوئه - هم كذلك - الطبقات العليا من ديارهم.»
17 «ليس «بيكن» أو «سبينوزا» أو «هيوم» أو «شلنج» أو «كانت» أو غيرهم، ممن يعرضون عليك فلسفة عقلية، إلا مترجما للأشياء التي في وعيك، والتي لك أنت كذلك سبيلك إلى رؤيتها، وربما إلى التعبير عنها أيضا وترجمته محرفة قليلا أو كثيرا، فقل إذن إنه لم ينجح في أن يرد إليك وعيك، بدلا من أن تنكب متخاذلا على معانيه الغامضة، إنه لم ينجح، فدع الآن غيره يحاول، وإذا كان أفلاطون لا يستطيع، فربما استطاع «سبينوزا»، وإذا لم يستطع «سبينوزا» فربما استطاع «كانت»، وعلى أية حال فلسوف تجد بعد هذا كله أن ما يرده إليك الكاتب ليس أمرا عويصا، ولكنه بسيط طبيعي مألوف.»
18
لما انطلق «إمرسن » يملأ مسامع قومه بهذه الدعوة إلى أن يستقل الإنسان بفكره؛ وبالتالي إلى أن يستقل الأمريكيون بتفكيرهم، كان في الحقيقة صادرا في دعوته تلك عن ثورة عميقة على رجال «التنوير» والثورة، يقتلع الفلسفة التي بنوا عليها نظريتهم السياسية من جذورها ويهدمها من أساسها، ألم يكن مصدر هؤلاء الساسة علم «نيوتن» وفلسفة «لوك»؟ ثم أليس ذلك العلم وهذه الفلسفة قائمين على المشاهدات الحسية والتجارب، فعلم الطبيعة يبنى على شهادة الحواس، وفلسفة «لوك» تدور حول خبرة الحواس تحللها وتصنفها؟ ولكن ما بالحواس يدرك الإنسان حقائق الأشياء، وإن أدرك بها ظواهرها، وإنما يكون العلم بحقيقة الكون بوسيلة أخرى غير الحس، هي وسيلة الحدس، أو العيان العقلي المباشر، وهل يدرك الإنسان ذاته بالبصر أو بالسمع؟ كلا، إن الإنسان ليدرك ذاته وفحواها بالنظر الداخلي إلى نفسه فيراها رؤية مباشرة، وهكذا يكون إدراك الحق كيفما كان.
Bog aan la aqoon