قدمت هَذِه الْحَال وأتى عَلَيْهَا الزَّمَان - سمج تكلّف إِظْهَار ذَلِك ثَانِيًا لذهاب الْغَرَض الأول وَحُصُول الثَّمَرَة الْمَطْلُوبَة بالسعى الأول. وتكلف مثل هَذَا عَبث وسفه مَعَ مَا فِيهِ من إِيهَام ضعف الْيَقِين الثَّنَاء الأول وَأَنه احْتَاجَ إِلَى تطرية وتجديد شَهَادَة لِأَن الشَّهَادَة الأولى كَانَت زورًا وظنًا مرجمًا. وَهَذَا توهين لعقد الْمَوَدَّة الَّتِي شهد لَهَا فِي الْمَسْأَلَة بِشدَّة الْأسر واستحكام الأَصْل ووثاقة.
(مَسْأَلَة طبيعية لما صَار الْأَعْمَى يجد فائته من الْبَصَر فِي شَيْء آخر)
كمن نجده من العميان من يكون ندى الْحلق طيب الصَّوْت غزير الْعلم سريع الْحِفْظ كثير الباه طَوِيل التَّمَتُّع قَلِيل الْهم. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه ﵀: إِن للنَّفس خَمْسَة مشاعر تستقي مِنْهَا الْعُلُوم إِلَى ذَاتهَا وَكَأَنَّهَا فِي الْمثل منافذ وأبواب لَهَا إِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنْهَا. أَو مثل أَصْحَاب أَخْبَار يردون إِلَيْهَا أَخْبَار خمس نواح. وَهِي متقسمة الْقُوَّة إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء الْخَمْسَة. ومثالها أَيْضا فِي ذَلِك مِثَال عين مَاء يَنْقَسِم مَا يَنْبع مِنْهَا إِلَى خَمْسَة أَنهَار فِي خَمْسَة أوجه مُخْتَلفَة. أَو مِثَال شَجَرَة لَهَا خمس شعب وقوتها منقسمة إِلَيْهَا. وَقد علم أَن هَذِه الْعين مَتى سد مجْرى مَاء أحد أنهارها توفر على أحد الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة،
1 / 90