بالطبع، وَهَؤُلَاء هم الَّذين تسموا بالزهاد وهم طَبَقَات وَفِي الفلاسفة مِنْهُم قوم وَفِي أهل الْأَدْيَان والمذاهب والأهواء مِنْهُم طوائف وَفِي شريعتنا الْإِسْلَام مِنْهُم قوم وَسموا أنفسهم بالصوفية وَقَالَ مِنْهُم قوم بِتَحْرِيم المكاسب. وَإِذ قد بَينا غلط النَّاظر فِي أحد جزأيه دون الآخر، فلنذكر الْمَذْهَب الصَّحِيح الَّذِي هُوَ النَّاظر فِي الجزأين مَعًا وَإِعْطَاء كل وَاحِد مِنْهُمَا قسطه طبيعية وعقلًا فَنَقُول: إِن الْإِنْسَان كَمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ مركب من هَاتين القوتين لَا قوام لَهُ إِلَّا بهما فَيجب أَن يكون سَعْيه نَحْو الطبيعي مِنْهُمَا والعقلي مَعًا. أما السَّعْي الطبيعي فغاية الْإِنْسَان فِيهِ حفظ الصِّحَّة على بدنه والاعتدال على مزاج طبائعه لتصدر الْأَفْعَال عَنهُ تَامَّة غير نَاقِصَة وَذَلِكَ بالتماس المآكل والمشارب وَالنَّوْم واليقظة وَالْحَرَكَة والسكون والاعتدال فِي جَمِيع ذَلِك إِلَى سَائِر مَا يتضل بهَا من الملبس والمسكن الدافعين أَذَى القر وَالْحر والأشياء الضرورية للبدن وَلَا يلْتَمس غَايَة سواهَا أَعنِي التَّلَذُّذ والاستكثار من قدر الْحَاجة لطلب المباهاة وَاتِّبَاع النهمة والحرص وَغَيرهمَا من الْأَمْرَاض الَّتِي توهم أَن غَايَة الْإِنْسَان هِيَ تِلْكَ. وَأما سَعْيه الْعقلِيّ فغايته فِيهِ أَيْضا حفظ الصِّحَّة على النَّفس لِأَنَّهَا ذَات قوى. وَلها أمراض بتزيد هَذِه القوى بَعْضهَا بعض وَحفظ الِاعْتِدَال هُوَ طبها والاستكثار من معلوماتها هُوَ قوتها وَسبب بَقَائِهَا السرمدي وسعادتها الأزلية. وَفِي شرح كل وَاحِد من هَذِه الْفَضَائِل طول وَهَذَا الْقدر من الْإِيمَاء كَاف. فَلْيَكُن الْإِنْسَان ساعيًا نَحْو هذَيْن الجزأين بِمَا يصلح كل وَاحِد
1 / 63