فَأَما هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي تكلمنا فِيهَا فَهِيَ مَوَاضِع الشُّكْر لَهُ والتحدث بنعمته والتعجب من حكمته وَالِاسْتِدْلَال بهَا على جوده وَقدرته وفيضه بِالْخَيرِ على بريته. ومسألته الزِّيَادَة مِنْهَا والحرص على نيل أَمْثَالهَا بِالنّظرِ والفحص وإدامة الرَّغْبَة إِلَى واهبها ومنيلها بإفاضة أشباهها وأشكالها مِمَّا هُوَ مَوْضُوع للبشر وميسر لَهُم وهم مندوبون لَهُ مبعوثون عَلَيْهِ بل أَقُول إِنَّه مَأْخُوذ على الْإِنْسَان الْكَامِل بِالْعقلِ أَلا يقْعد عَن السَّعْي والطلب لتكميل نَفسه بالمعارف وَلَا يني وَلَا يفتر مُدَّة عمره عَن الازدياد من الْعُلُوم الَّتِي بهَا يصير من حزب الله الغالبين وأوليائه الفائزين الْآمنينَ الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ. فَأَما الْقَوْم الَّذين يفنون أعمارهم فِي قنية الذَّهَب وَالْفِضَّة ويجعلون سَعْيهمْ كُله مصروفًا إِلَى الْأُمُور الزائلة الفانية من اللَّذَّات الجسمانية والشهوات الْبَدَنِيَّة - فهم الَّذين قد بعدوا من الله وصاروا من حزب الشَّيْطَان فوقعوا فِي الأحزان الطَّوِيلَة وَالْخَوْف الدَّائِم والخسوان الْمُبين ﴿﴾ ! إِذْ كَانُوا أبدا من مطلوبهم على إِحْدَى حالتين: إِمَّا أَسف على فَائت ونزاع إِلَيْهِ أَو لهف على مَفْقُود وحزن عَلَيْهِ لِأَن الْأُمُور الَّتِي يطلبونها لَا ثبات لَهَا وَلَا نِهَايَة لأشخاصها وَلَا وجود بِالْحَقِيقَةِ لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْكَوْن والإستحالة والتنقل بالطبع. نسْأَل الله الْوَاحِد الَّذِي نخلص إِلَيْهِ رغباتنا ونرفع أَيدي نفوسنا لَهُ ونسجد بهممنا وعقولنا - أَن يفِيض علينا الْخَيْر الْمَطْلُوب مِنْهُ الَّذِي نشتاق إِلَيْهِ لذاته لَا لغيره وَأَن ينير عقولنا لندرك بهَا حَقِيقَة وحدانيته وعجائب مبروءآته ويفضى بِنَا إِلَى السَّعَادَة القصوى الَّتِي خلقنَا لَهَا من أقصر الطّرق وَأهْدى السبل صِرَاط الله الْمُسْتَقيم فَإِنَّهُ أهل ذَلِك ووليه والقادر عَلَيْهِ.
1 / 60