جاذبتها لَهُ وغلبتها على صَحِيح عقله وثاقب فكره ونصيحة طبيبه حَتَّى إِذا فرغ من مواقعه تِلْكَ الشَّهْوَة وأحس بالألم نَدم ندامة يظنّ مَعهَا أَلا يعاود أبدا ثمَّ لَا يلبث أَن تهيج بِهِ شَهْوَة أُخْرَى أَو هِيَ بِعَينهَا وَهُوَ فِي ذَلِك يعظ نَفسه ويديم تذكيرها الْأَلَم ويشوقها إِلَى الصِّحَّة وَلَا يَنْفَعهُ وعظ وَلَا تذكير لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكرنَاهَا قبل من شدَّة مجاذبة الشَّهْوَة الْحَاضِرَة حَتَّى ينَال شَهْوَته ثَانِيًا ثمَّ هَذِه حَال مستمرة بِهِ مَا دَامَ مَرِيضا. وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضا فِي حَالَة الصِّحَّة يتَنَاوَل من الشَّهَوَات مَا يعلم أَنه يخرج عَن مزاج الِاعْتِدَال وَلَا يَأْمَن هجوم الْأَمْرَاض عَلَيْهِ فيحمله سوء التحفظ وَشدَّة مجاذبة الطبيعة إِلَى مُخَالفَة التَّمْيِيز ومشاركة الْبَهَائِم. فَإِذا رَأَيْت هَذَا الْمثل صَحِيحا وَوَجَدته من نَفسك ضَرُورَة اطَّلَعت على مَا قدمْنَاهُ وفهمته فهما بَينا وعذرت من زهدك فِي الدُّنْيَا وَإِن خالفك إِلَيْهَا وَمن نصحك بِتَرْكِهَا وَإِن أَخذ هُوَ بهَا فَأَما مَا اعْترض فِي الْمَسْأَلَة من ذكر السَّبَب وَالْعلَّة وَالْمَسْأَلَة عَن الْفرق بَينهمَا فَإِن السَّبَب هُوَ الْأَمر الدَّاعِي إِلَى الْفِعْل ولأجله يفعل الْفَاعِل. فإمَّا الْعلَّة فَهِيَ الفاعلة بِعَينهَا وَلذَلِك صَار السَّبَب أَشد اختصاصًا بالأشياء العرضية وَصَارَت الْعلَّة أَشد اختصاصًا بالأمور الجوهرية. والحكماء قد أطْلقُوا لفظ الْعلَّة على الْبَارِي تقدس اسْمه وعَلى الْعقل وَالنَّفس والطبيعة حَتَّى قَالُوا: الْعلَّة الأولى وَالْعلَّة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَقَالُوا أَيْضا: الْعلَّة الْقَرِيبَة وَالْعلَّة الْبَعِيدَة فِي أَشْيَاء تتبينها من كتبهمْ.
1 / 56