فكرت طويلا بطريقة لخلع ذلك الثوب الدنس، فلم أجد من وسيلة نافعة إلا أن أولد ثانية أو تتقمص روحي بجسم آخر غير جسمي، أي: يجب أن أستبدل شخصيتي.
قررت في ذات يوم أن أفعل كذلك ، فأعلنت لجميع معارفي أني راحلة إلى باريس رحيلا أبديا، ولكني سافرت إلى الإسكندرية وأبدلت اسما آخر باسمي الحقيقي، وادعيت أني أرملة لا أهل لي في القطر المصري، ولا بد أنك تتوق يا موريس أن تعرف اسمي الحقيقي فأسره إليك؛ لأنك أنت أقرب الناس إلي وإنما أرجو منك أن تكتمه عن سواك؛ لكيلا يتجدد في ضمائر الناس أن لأخي أختا مبتذلة بعد ما تنوسي ذلك، اسمي الحقيقي جوزفين وأخي جوزف ماتون، وقد علمت أنه عاد من باريس مع أسرته منذ مدة، بيد أني بقيت متنكرة عنه حرصا على سمعة أهل بيته.
كذبت على الناس باسمي وبترملي، ولكنني لا أشعر أني أذيت أحدا بهذا الكذب، بل بالأحرى أرى أني سترت عاري وعار أهلي، ولا شك عندي أن الله رحيم يغفر لي هذه الكذبة.
أقمت في الإسكندرية في مكان منفرد وأعلنت نفسي خياطة، وقللت من التجوال بل امتنعت عنه تقريبا، بذلت كل جهدي في أن أظهر لزبائني مثال الفضيلة والعفاف والاستقامة، فكنت أتبرم إذا سمعت من إحداهن كلمة بذيئة أو نميمة أو اغتيابا لأحد، وكنت أذهب إلى الكنيسة كل صباح بعد آخر، وبالفعل كنت أرتاح إلى العبادة جدا وأشعر بلذة الصلاة، وفي أثناء مجالسة السيدات، ولا سيما الفتيات كنت أجتهد أن أبث فيهن المبادئ القويمة، وكنت أهادي الجمعيات الخيرية نقودا وملابس للفقراء. وبالاختصار لم أغفل عن صلاح استطعته، ولا جفوت محمدة ممكنة.
ما مر علي ثلاثة أعوام وأنا في شخصيتي الجديدة «أي: فلانة الأرمة» إلا التف حولي عدد عديد من الصديقات، وكلهن يحتفين بي ويسعين إلى ودادي، وقد وفرت أرباحي جدا وصرت ذات ثروة صغيرة، ورأيتني في مكانة معتبرة بين معارف عديدين يجلونني من رجال ونساء.
وكان رهط من الشبان يحفون حولي، بعضهم موسرون وبعضهم متوسطو الحال، وقد حاولوا أن يتنازعوا فؤادي فلم يظفروا بطائل، فالأديب منهم كان يزداد إكراما لي واللئيم يجفوني كالا.
وكان بينهم شاب مهذب خياط حسن الحال أعجب بي، وأحبني وتوسم مني ميلا إليه، فطلب يدي وخطبني وجعل يتردد علي تردد الخطيب على خطيبته بلا حرج، فيزداد إعجابا بي، وسولت له نفسه يوما أن يداعبني مداعبة غير لائقة، فزجرته بلطف باسمة، فخجل واعتذر لي وتاب عن نيته؛ ولذلك ازداد ولوعا بي، كنت فرحة به ومعللة نفسي بأمنيتي العظمى، وهي أن أعود إلى مقام سيدة معتبرة بين السيدات.
بيد أن ضميري كان ينذرني، ويحذرني من مخادعة ذلك الفتى الذي أخلص الحب لي؛ لأني زورت شخصية غير شخصيتي الحقيقية، وزيفت ذاتيتي وكذبت عليه في أمري.
وقد رام غير مرة أن يتحقق نسبي بأسلوب لطيف، فكنت أزيغ من سبيل تحقيقه؛ لأني لم أعرف كيف ألفق خبر أهلي وذوي قرباي بأسلوب مقنع.
ولعل الريبة في شأني خامرته في حين من الأحيان، ولكن حبه العميق كان يغالطه في ظنونه، ويبدد غيهب شكوكه في وربما كان يؤول غوامض أمري تأويلا حسنا.
Bog aan la aqoon