ولكني كنت أخاف جدا أن تستسلم لميراي، وتزيغ عن السبيل الذي كنت أنوي أن أردك إليه هذا التخوف هو الذي أحزنني جدا؛ ولذلك خلوت في غرفتي وأطلقت لعبراتي العنان، وطلبت إلى الله أن يسدد خطواتك ويقيك شر الغواية، ولما رأيت أن ذلك النحيب لا يمكن أن يكون له آخر استلهمت الله أن أضع حدا له، فألهمني أن أشغل وقتي في عزلتي بكتابة هذا الكتاب لك.
أعود إلى قص حكايتي لك:
خرج ذلك الفتى من منزلي الحقير، ولم يعد، كأنه كان ينتظر داعيا لهجري كذلك الداعي.
لا بد أن تتصور يا موريس شقاء حف بي في ذلك الحين، ويأسا خيم على قلبي، ولكني أؤكد لك أن ما تتصوره إنما هو ظل الحقيقة، استسهلت الانتحار جدا حينئذ، ولولا ما طبعت عليه نفسي من الشمم لأتيته، ولكني أنفت أن أفترق عن الناس مخلفة ذكرا مذموما، فوضعت نصب عيني أن أسترد الشرف الذي فقدته، وأستعيد المقام الذي نفيت منه قبل أن أموت.
تراءى لي حينئذ أن جرمي عظيم جدا، وأن سواد عاري حالك، حكمت نفسي في أمر إثمي فوجدت أن لي شركاء فيه، أولهم ذلك الفتى؛ لأنه غرر بي وأغواني إلى حد الإكراه، وأراني أن هذا الإثم عرضي يمحى بزواجنا، ثم أمي وأخي؛ لأنهما فسحا السبيل لذلك الوغد وأخليا له الجو، وما أوجسا منه شرا علي في حين أني حديثة السن ضعيفة القلب والعقل والإرادة، ومن مظالم البشر أن يتعمد الأهل زج الفتيات بين الفتيان، وتعريضهن لفخاخ غوايتهن يعاقبونهن على وقوعهن في تلك الفخاخ.
حذر الفتيات يا موريس من وعود الفتيان، فإنها مهما كانت صادقة لا يستحيل أن ينقضوها، فعليهن أن يعتصمن بعفافهن؛ لأنهن وحدهن مسئولات عنه، وإن كان لهن شركاء فيه، لا يرحمهن ولا يعذرهن أحد.
مع أن لي شركاء في إثمي فقد وقع العقاب علي وحدي، ذلك الفتى تركني وعاد إلى مكانته في العالم كأنه لم يأت أمرا منكرا، وأهلي أنكروني والناس احتقروني.
قضيت بضعة أيام أفكر في ماذا أفعل لأعيش؛ ولأرقى من وهدة حطتي إلى مقام سيدة بين الناس، فأغلق علي لا أعرف صناعة أسترزق منها وطفلتي غل ليدي، كادت النقود التي بقيت معي بعد فرار ذلك الخئون تفرغ من جيبي، ولا يبقى عندي بعدها سوى خاتم حفظته تذكارا لحبه، وما هو إلا تذكار لشقائي.
خطر لي أن أطالب ذلك الغادر بحق الزوجية مطالبة قانونية، فتحمست وقصدت إلى محام أستشيره في قضيتي، وقصصت عليه موجز قصتي فسألني: هل عندك دلالة كتابية، أو شهود على أنه وعدك بأن يتزوجك؟ - كلا ولكنه ساكنني أشهرا كمساكنة الزوج للزوجة. - ولكنك رضيت بهذه المساكنة فلم يعد لك أقل حق عليه. - لقد شاركني في إثمي وأنا وحدي أعاقب. - الشريعة لم تعاقبك. - ولكن الناس يعاقبونني؛ لأنهم يسلبون حياتي الأدبية بل سعادتي، أفلا حق لي بتعويض من خسارتي هذه؟ - ليس في الشريعة نص على ذلك يا سيدتي. - إذن الشريعة ناقصة أو غير عادلة. - الشريعة المدنية يا سيدتي غير الشريعة الأدبية، أنا أرى أن ذلك الفتى ظلمك وغبنك ولكن القضاء يبرره.
فتنهدت وقلت: آه والشريعة الأدبية بررته أيضا؛ لأن الناس ضربوا صفحا عن جريمته، وقبلوه في عداد الأفاضل، وبقيت أنا وحدي ملتحفة بهذا العار، ويلي أنا الشقية! إلى أي محكمة ألتجئ؟
Bog aan la aqoon