وأسرع ابن عبدوس وقدم له طبقا من القطائف في أدب وملق، وقال في صوت المستعطف: ماذا كنت تقول في يا سيدي؟
فاتجه إليه أبو مروان وقال: أعفني بالله فإني لا أحب أن أجبهك بما لا تحب! فألح ابن عبدوس وألح القوم فقال: أديب بلغ به أدبه أبعد ما يبلغه سواه، وقذفت به حيلته إلى ما فوق مرتقاه، يزاحم العرب بدهائه، ويستر نسبه بجوده وذكائه، دن شراب، وزير كواعب أتراب، يعادي كل سباق سبوح، ويحسد كل مجد طموح».
فوقف ابن عبدوس غاضبا وقال: وهذا سب صريح، وقذف أملاه حقد كمين، وإني أرفع مكانة من أن آبه لمثل هذا الهراء.
فأسرع ابن برد وقال: إن الشيخ لم يكن يريد أن يقول عنك شيئا، ولكنك ألححت وألححت. بعد أن ألمع لك برأيه فيك.
وهنا صاحت نائلة: إننا لا نغضب لما يكتبه أبو مروان، والمؤرخ يجب أن يكون حرا فيما يكتب، وإلا فسد التاريخ، وضاعت ثقة الناس بالمؤرخين، ومما يهون الأمر أنه لا يحابي صديقا لصداقته، ولا يشهر بعدو لعداوته. أنا أعرف ما كتبه عني وأستحلفه بالله ورسله وأنبيائه ألا يذكر منه الآن حرفا. هلم إلى قاعة الشراب.
فانطلق القوم يتزاحمون، ودار عليهم السقاة، وفاحت روائح الند والعود، وجلست «غاية المنى» المغنية بين جوقتها، وأخذت بعد أن أصلحت عودها تغني بصوت كأنه همسات الأمل في نفس اليائس الحزين، وكانت تردد من شعر ابن زيدون:
وضح الحق المبين
ونفى الشك اليقين
ورأى الأعداء ما غر
تهم منه الظنون
Bog aan la aqoon