التقى ابن زيدون بولادة ولكن بعد أن فات الفوت، وذهبت بشبابه السنون، ولوت قناته كوارث الأيام، ونيفت سنه على الثامنة والستين. فكان كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح، فلما أن رآه عمي عاد ابن زيدون إلى قرطبة، ولكن لم يعد إليه هناء قرطبة وطيب أيام قرطبة، فقد لبث أشهرا يعاني آلام الأمراض وآلام الخيبة، لأنه رأى بعد طول التجربة أن المعتمد لا يصلح لما كان يرجى منه من خطيرات الأمور.
واشتد في إحدى الليالي به المرض، فجلست ولادة حول سريره باكية نادبة، وهو يجود بنفسه، ويلفظ أنفاسا قصارا كأنها خفقات السراج آخر الليل، ويردد:
ألم يأن أن يبكي الغمام على مثلي
ويطلب ثأري البرق منصلت النصل
وهلا أقامت أنجم الليل مأتما
لتندب في الآفاق ما ضاع من فضلي
وما زال يكرر البيتين حتى أدركته غشية أوردته الردى، ولم تجعل ليومه غدا.
Bog aan la aqoon