فقال ابن المكري: إنه يا مولاي قد يسدي إلى قرطبة من الخدم وهو بمالقة ما لا يستطيعه هنا. - إن القائد الحذر لا يبتعد عن ميدانه. ولقد سقطت علينا أخبار من مالقة تدل على أن الرجل ألقى زمامه للحسني يصرفه كيف يشاء.
فقال ابن عبدوس: علمت أنه يعمل معه على إعادة قرطبة لبني الحسن بن علي.
فظهر الغضب على وجه ابن جهور وقال: لا يا أبا عامر إنه لن يتدلى إلى هذا الدرك، ولن يستطيع أعدى أعدائه أن يقول إنه يفرط مثقال خردلة في وطنه الذي يفديه بروحه. إن ابن زيدون إذا جرد من كل صفة من صفات الرجولة والكرامة، فلن يستطيع أحد أن يرميه بخيانة وطنه. ثم إنه لا يجهل ما أصاب قرطبة على أيدي الحسنيين من كوارث وفتن حاطمة، ولن ينسى أهل قرطبة تلك السنين السبع الشداد التي دمر فيها الحسنيون قصور الزهراء، وفتكوا بالناس، ونهبوا كل شيء، وسلطوا البربر فانبسطوا في قرطبة يقتلون ويأسرون، إلى أن أنقذ أبي البلاد من شرهم، ورد الأمر إلى بني أمية. لا يا ابن عبدوس، إن أبا الوليد لا يبيع بلاده لأحد، فكيف يبيعها لهؤلاء المردة الطغاة؟
فقال ابن المكري: كنت أعتقد كل هذا يا سيدي، ولكن الأخبار التي تحملها إلينا ريح مالقة زلزلت يقيني، ووضعت مكانه حيرة وشكوكا. وإني أرى أن يتحصن مولاي بسوء الظن، فإنه أسلم عاقبة وأدنى إلى الحيطة والحذر. - أي حيطة وأي حذر؟ إن الرجل من هذه الناحية فوق مطار الظنون.
فأسرع ابن عبدوس وقال مبتسما: إن القلوب تتقلب يا سيدي، والطموح والآمال الكاذبة قد تعصف بالمرء فتخدعه عن نفسه، وتزعم له أن الخير لا ينال إلا بالشر، وأن الحق لا يمشي إلا على قدمين من الباطل، وإلا فلماذا كلما قابلت ابن ذكوان أو ثابتا الغافقي أو عمارا الباجي، وهؤلاء حملة رسالته وموطن أسراره، تسللوا لواذا،
2
وصرفوا وجوههم عني في خوف الجبان وحذر اللئيم لماذا كلما سألت أحدهم عن ابن زيدون وعن طول غيبته بمالقة تردد وتلعثم واصفر وجهه وبلع ريقه وأدركه البهر؟
3
لا يا مولاي، إن ترك النار تدب في الهشيم تهاون واستهداف للخطر، وإن السكوت على الجريمة جريمة.
وأسرع ابن المكري فقال: لقد علمت أنه بعث برسالة إلى خادمه علي أمره فيها أن يلحق به بمالقة مع عبيدة وأهل بيته، ولكني غير واثق بهذا الخبر.
Bog aan la aqoon