حاشية الإرشاد
المقدمة
تأليف
الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي
جميع الحقوق محفوظة لفريق مساحة حرة
[![](../Images/logo4.png)](http://www.masaha.org)
<http://www.masaha.org>
مقدمة التحقيق
وفيها أربعة أبواب وخاتمة الباب الأول: العلامة الحلي وكتابه الإرشاد الباب الثاني: الشهيد الأول وكتابه غاية المراد الباب الثالث: الشهيد الثاني وكتابه حاشية الإرشاد الباب الرابع: عملنا في الكتاب الخاتمة: مطالب متفرقة
Bogga 21
الباب الأول العلامة الحلي وكتابه الإرشاد
وفيه فصلان:
الفصل الأول: العلامة الحلي الفصل الثاني: الإرشاد
Bogga 23
الفصل الأول العلامة الحلي
هو الشيخ الأجل الأعظم، العلامة على الإطلاق، أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (قدس الله نفسه وروح رمسه،) ولد في شهر رمضان عام 648، وانتقل إلى فراديس الجنان في شهر محرم الحرام عام 726 في الحلة، وحمل جثمانه الشريف إلى النجف الأشرف ودفن إلى جوار مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.
تتلمذ العلامة في مختلف العلوم على عدد كبير من علماء عصره، منهم:
المحقق الحلي، والخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي، والشيخ سديد الدين يوسف بن المطهر الحلي والده، والشيخ كمال الدين ميثم البحراني، والشيخ نجم الدين علي بن عمر الكاتب القزويني الشافعي، والشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكيشي.
وتتلمذ عليه جم غفير من العلماء، منهم: ولده فخر الدين محمد، وابنا أخته السيد عميد الدين والسيد ضياء الدين، ومحمد بن علي الجرجاني، والشيخ قطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي. قال الطهراني
Bogga 25
وأما تلاميذه فكثير ممن ترجمته في هذه المائة كانوا من تلاميذه والمجازين منه أو المعاصرين المستفدين من علومه، فليرجع إلى تلك التراجم حتى يحصل الجزم بصدق ما قيل من: «أنه كان في عصره في الحلة أربعمائة مجتهد» (1).
قال ولده فخر الدين في وصف والده (رضوان الله عليهما): «. المؤيد بالنفس القدسية والأخلاق النبوية» (2).
وقال صاحب الروضات (رحمه الله) في وصفه:
لم تكتحل حدقة الزمان له بمثل ولا نظير، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله العزيز، كيف! ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ولا لا حق. وإذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله. (3).
ووصفه المحدث النوري (قدس سره) بقوله:
الشيخ الأجل الأعظم، بحر العلوم والفضائل والحكم، حافظ ناموس الهداية، كاسر ناقوس الغواية، حامي بيضة الدين، ما حي آثار المفسدين، الذي هو بين علمائنا الأصفياء كالبدر بين النجوم، وعلى المعاندين الأشقياء أشد من عذاب السموم، وأحد من الصارم المسموم، صاحب المقامات الفاخرة والكرامات الباهرة والعبادات الزاهرة والسعادات الظاهرة. آية الله التامة العامة، وحجة الخاصة على العامة، علامة المشارق والمغارب و. (4)
وقال بعضهم في وصفه نظما:
تحلت به الأيام أحسن حلية
كأن عليها من سناه سناء
فلما مضى لم يبق للدهر رونق
وأصبح ربع الأنس منه خلاء
متى تخلف الأيام مثل جماله؟
وليس له في العالمين كفاء
Bogga 26
لقد عقمت عن مثله كل حرة
فضاق على باغي النتاج فضاء
ألا من لحل المشكلات تعقدت
وأحجم عن تفسيرها العلماء؟
ومن لمريض القلب يلتمس الهدى
فليس له، إلا هداك دواء
ومن ذا لقمع الملحدين بعزمة
وواضح حق ليس فيه عماء
أدلته تجلي القلوب من العمى
كخالص شهد النحل فيه شفاء
فتى غيبت عنا محاسن وجهه
وحم عليه للمنون قضاء
فما غيبت عنا محاسن فضله
لها مع بقاء العالمين بقاء
تصانيفه فينا كواكب أشرقت
فما في ضياها للبصير خفاء
قواعد علم لا تهدم ركنه
صروف الليالي والسماء سماء
فلو كان يفدى بالنفوس بقاؤه
بذلنا نفوسا لو يكون بقاء
وما مات من أبقى على الدهر ذكره
جديدا ولا أفنى علاه فناء
فلا تشمت الأعداء يومك إنه
على كل حي في الأنام سواء
لقد عشت في الدنيا سعيدا موفقا
وجاورت جارا في حماه كلاء
فلا تحسبنها ميتة بل كرامة
من الله مخصوص بها الشهداء
سقى الله قبرا أنت فيه موسد
سحائب مزن غيثهن رواء
ولا حجبت عنه صلاة ورحمة
من الله يأتيه بها السفراء
فقولي لفخر الدين والماجد الذي
عليه من المجد الأثيل رداء:
وما مات ليث أنت في الناس شبله
ولا خاب للمسترشدين رجاء (1)
ألف العلامة الحلي كتبا كثيرة قيمة في شتى العلوم من الكلام والحكمة والحديث والرجال والفقه والأصول، منها: كشف المراد، أنوار الملكوت، خلاصة الأقوال، تذكرة الفقهاء، منتهى المطلب، تحرير الأحكام الشرعية، مختلف
Bogga 27
الشيعة، قواعد الأحكام، نهاية الإحكام وإرشاد الأذهان الذي سنتحدث عنه في الفصل الآتي.
وردت ترجمة هذا العالم الكبير والفقيه الجليل في كثير من كتب التراجم وفي مقدمة بعض كتبه المحققة الصادرة مؤخرا، وقد أغنتنا هذه التراجم عن التطويل في ترجمة العلامة، ولكننا نشير إلى تصويب ما عثرنا عليه من إخطاء في ترجمته:
1- قال العلامة السيد محسن الأمين (رحمه الله) في ترجمة العلامة:
وهاجر إليه الشهيد الأول من جبل عامل ليقرأ عليه فوجده قد توفي (1).
وهذا سهو بين- والظاهر أنه نص انتقل من قصص العلماء (2) إلى أعيان الشيعة وكتب أخرى- حيث إن الشهيد الأول ولد عام 734، أي بعد عدة أعوام من رحيل العلامة على المشهور، أو كان طفلا صغيرا حين وفاة العلامة على الأصح، كما يأتي في الفصل الأول من الباب الثاني من هذه المقدمة.
2- قال الطهراني (رحمه الله) في وصف إرشاد الأذهان:
هو من أجل الكتب الفقهية. فرغ منه سنة 676 أو 696 (3).
وهذا أيضا سهو والترديد في غير محله، والتاريخ الأول أعني 676 خطأ قطعا، لأن العلامة صرح في مقدمة الإرشاد بأنه حرر ذلك استجابة لطلب ولده فخر المحققين (4)، ومن المسلم به أن فخر المحققين ولد في عام 682، وأن عام 676 يسبق مولد فخر المحققين بست سنوات.
Bogga 28
3- قال في قصص العلماء في ترجمة العلامة الحلي ما ترجمته:
أن الملا حسن الكاشاني- وهو رجل ظريف- كان مصاحبا للعلامة حين حضوره عند السلطان محمد وجريان المباحثة عنده. فلما تشيع السلطان وتم الأمر توجه الملا حسن إلى السلطان وقال: «أريد أن أصلي ركعتين على مذهب الفقهاء الأربعة وركعتين على المذهب الجعفري، وأريد من السلطان أن يحكم بصحة إحدى الصلاتين». ثم قال: «أبو حنيفة- أو أحد الفقهاء الأربعة- يجوز الوضوء بالنبيذ، ويذهب أبو حنيفة إلى أن الجلد بالدباغة يطهر، ويجوز بدل قراءة الحمد والسورة قراءة آية واحدة حتى لو كانت بالترجمة، ويجوز السجود على نجاسة الكلب، ويجوز الخروج من الصلاة بغير السلام ولو بالضراط». فتوضأ الملا حسن بالنبيذ، ولبس جلد الكلب، ووضع خرء الكلب موضع سجوده وكبر، وبدل قراءة الحمد والسورة قال: «دو برگ سبز» وهي ترجمة «مدهامتان» ، ثم ركع، ثم سجد على خرء الكلب، وأدى الركعة الثانية مثل الأولى، ثم تشهد، وضرط بدل السلام، وقال: «هذه صلاة أهل السنة». ثم مع كمال الخضوع والخشوع صلى ركعتين على مذهب الشيعة.
فقال السلطان: «معلوم أن الأولى ليست بصلاة، والصلاة الموافقة للعقل هي الثانية» (1).
وهذا أيضا من هفوات قصص العلماء، وأصل القضية فعل القفال المروزي لبيان الخلاف بين المذهب الشافعي والمذهب الحنفي في مجلس السلطان محمود بن سبكتكين- ولا علاقة للقضية بالمذهب الشيعي والعلامة والملا حسن الكاشاني والسلطان محمد- وقد حكاها ابن خلكان بشيء من التفصيل حيث قال في ترجمة محمود بن سبكتكين:
وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني. في كتابه الذي سماه
Bogga 29
مغيث الخلق في اختيار الأحق: أن السلطان محمودا المذكور كان على مذهب أبي حنيفة. وكان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه، وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي.، فوقع في خلده (خ ل: جلده) حكة، فجمع الفقهاء، من الفريقين في مرو، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الإمام الشافعي. وعلى مذهب أبي حنيفة.، لينظر فيه السلطان، ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما، فصلى القفال المروزي. بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة، وأتى بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجه الكمال والتمام، وقال: «هذه صلاة لا يجوز الإمام الشافعي دونها.» ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة. فلبس جلد كلب مدبوغا ولطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، واجتمع عليه الذباب والبعوض، وكان وضوؤه منكسا منعكسا، ثم استقبل القبلة، وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء، وكبر بالفارسية [وقال:] «دو برگ سبز»، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهد، وضرط في آخره، من غير نية السلام، وقال: «أيها السلطان، هذه صلاة أبي حنيفة».
فقال السلطان: «لو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين». فأنكرت الحنيفة أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا، فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة، وتمسك بمذهب الشافعي. انتهى كلام إمام الحرمين (1).
Bogga 30
4- قال صاحب الروضات:
لم أقف إلى الآن على شيء من الشعر لمولانا العلامة. نعم اتفق لي العثور في هذه الأواخر على مجموعة من ذخائر أهل الاعتبار ولطائف آثار فضلاء الأدوار، فيها نسبة هذه الأشعار الأبكار إليه. وله (رحمه الله) أيضا كتبه إلى العلامة الطوسي (رحمه الله) في صدر كتابته وأرسله إلى عسكر السلطان خدابنده مسترخصا للسفر إلى العراق من السلطانية:
محبتي تقتضي مقامي
وحالتي تقتضي الرحيلا
هذان خصمان لست أقضي
بينهما خوف أن أميلا
ولا يزالان في اختصام
حتى نرى رأيك الجميلا (1)
ونقله عنه السيد محسن الأمين (2).
أقوال: الأبيات ليست للعلامة الحلي، بل قيلت قبل أن يولد العلامة بمائتي سنة تقريبا، حيث أوردها ياقوت الحموي في ترجمة علي بن عبد الغني القروي الحصري الأندلسي، أحد شعراء القران الخامس، حيث قال:
ومدح بعض ملوك الأندلس فغفل عنه. فدخل عليه وأنشده: محبتي. (3).
وأيضا فإن السلطان محمد خدابنده تولى الحكومة عام 703، أي بعد 31 سنة من وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي (قدس الله سره) القدوسي.
أضف إلى ذلك أنه لم يعلم مجيء العلامة إلى إيران في زمن المحقق الطوسي. وكذلك إن مدينة السلطانية بنيت في زمن حكومة السلطان خدابنده، أي بعد سنين كثيرة من وفاة المحقق الطوسي.
5- قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني في وصف قواعد الأحكام للعلامة الحلي:
Bogga 31
وقد فرغ منه في 693 أو 692 كما ذكره في كشف اللثام (1).
ونقل الميرزا عبد الله الأفندي عن بعض تلامذة المحقق الكركي أنه ألفه سنة عشرين وسبعمائة (2). لكن كلا التاريخين غير صحيحين، وذلك:
أولا: إن العلامة دون القواعد في جزأين، وطبقا لما تقودنا إليه النسخ الخطية المعتبرة للقواعد، فإن العلامة فرغ من تأليف الجزء الأول في التاسع من شهر رمضان المبارك عام 699، ومن الجزء الثاني في الرابع عشر من ذي الحجة عام 699، وقد تجاوز الخمسين من عمره الشريف.
ثانيا: خاطب العلامة في آخر القواعد ولده فخر الدين بقوله:
إني قد لخصت لك في هذا الكتاب لب فتاوى الأحكام و. ذلك بعد أن بلغت من العمر الخمسين ودخلت في عشر الستين. (3).
وهذا النص يتفق مع التاريخ الوارد في النسخ الخطية للقواعد. ولكن عمر العلامة طبقا لسنة الفراغ التي أوردها الطهراني وصاحبه الرياض أي عام 693 أو 692 أو 720 يكون 45 أو 44 أو 72 عاما، وهذا ما لا يتفق مع النص الوارد في نهاية القواعد.
6- قال صاحب الرياض نقلا عن بعض تلامذة المحقق الكركي في وصف القواعد: «ألفها في عشر سنين [وفرغ منها] سنة عشرين وسبعمائة» (4).
وكما مر فإن تاريخ ختم تأليف القواعد كان عام 699، وليس 720، وليس هناك دليل واحد يشير إلى أن التأليف استمر عشر سنوات، ذلك أن العلامة كتب الجزء الثاني من القواعد في الفترة الممتدة من التاسع من شهر رمضان حتى الرابع عشر من شهر ذي الحجة عام 699 أي أنه أتم تأليف
Bogga 32
الجزء الثاني من القواعد في حوالي ثلاثة أشهر- كما مر- ومن المستبعد جدا أن يكون تأليف الجزء الأول المماثل في حجمه للجزء الثاني قد استغرق أكثر من تسعة أعوام ونصف. ثانيا، إن العلامة ألف القواعد استجابة لطلب فخر المحققين، كما صرح بذلك في بداية الكتاب: «. إجابة لالتماس أحب الناس إلي وأعزهم علي وهو الولد العزيز محمد.» (1) ومن جهة أخرى قال فخر الدين نفسه: إن هذا الالتماس جاء بعد ما قرأت الكثير من الكتب عند والدي، وهذا نص عبارته:
إني لما اشتغلت على والدي (قدس الله سره) في المعقول والمنقول وقرأت عليه كثيرا من كتب أصحابنا، فالتمسك منه أن يعمل لي كتابا في الفقه جامعا لقواعده ، حاويا لفرائده، مشتملا على غوامضه ودقائقه، جامعا لأسراره وحقائقه، تبني مسائله على علمي الأصولين وعلى علم البرهان، وأن يشير عند كل قاعدة إلى ما يلزمها من الحكم. (2).
ومع الالتفات إلى أن فخر الدين ولد عام 682، وأن العلامة أنهى تأليف القواعد عام 699، فإن كان تأليف القواعد قد استمر عشرة أعوام- كما نقله صاحب الرياض- فلكي تكون المعادلة صحيحة، ينبغي أن يكون عمر فخر الدين عند بدء العلامة بتأليف القواعد ما لا يقل عن سبعة أعوام:
(عام البدء بالتأليف 689 الفرض المذكور 10- 699 عام الانتهاء من تأليف القواعد).
(7 عام ولادة فخر الدين 682- 689 عام البدء بالتأليف).
ومن المستبعد جدا- بل ومن الخارق للعادة- أن يكون فخر المحققين قد قرأ كل هذه الكتب عند والده وهو في سن الصبا- أعني إلى السنة السابعة من عمره الشريف- وأن يتقدم إلى والده بهذا الطلب، بكل الخصائص التي أوردها بنفسه
Bogga 33
في مقدمة جامع الفوائد في شرح خطبة القواعد.
ومما ذكرنا يظهر أن ما أورده الخوانساري (قدس سره) غير صحيح بطريق أولى، حيث قال:
ومن المشهور أنه (قدس سره) قد صنف القواعد في عشرين سنة وإن كان مشتغلا في ضمن تلك العشرين بتصانيف أخر (1).
7- قال الشهيد الثاني في بداية شرحه على قواعد العلامة الموسوم ب«فوائد القواعد»:
قوله: «إجابة لالتماس أحب.». واعلم أن الظاهر أن ولده (قدس سره) لم يسأله تصنيف الكتاب لأجل انتفاعه به ذلك الوقت، لأنه كان صغيرا السن عن أهليته، فإن مولده سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وقد عد المصنف (رحمه الله) هذا الكتاب، من جملة مصنفاته في الخلاصة، وذكر ذلك في سنة اثنتين وتسعين وستمائة، فيكون سن ولده (رحمه الله) حينئذ دون عشر سنين. وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه المطولة وغيرها، وتاريخ ابتدائها قبل بلوغه ما ذكرناه من السن. وأما قول ولده فخر المحققين في شرح الخطبة: «إني لما اشتغلت على والدي في المعقول والمنقول، وقرأت عليه كثيرا، من كتب أصحابنا التمست منه تصنيف الكتاب.» فهو عجيب بعد ما نقلناه من التاريخ (2).
أقول: للنظر فيما أفاده (قدس سره) مجال يظهر مما مضى وما يأتي. ومبدأ الإشكال أن الشهيد زعم أن ما ذكره العلامة من التصنيفات في ترجمة نفسه في الخلاصة (3) هو ما صنفه إلى حين تصنيف الخلاصة- أعني عام 693 على الأصح (4) لا 692 كما زعمه الشهيد (رحمه الله)- وليس كذلك، ولا دليل عليه. والذي
Bogga 34
دلت عليه الدلائل والقرائن أن العلامة أضاف بعد كتابة الخلاصة أسماء ما صنفه من الكتب في ترجمة نفسه- وهذا أمر متعارف بين المصنفين- كما يظهر مما ذكرناه سابقا وما يأتي. وهذا مفتاح حل الإشكالات حول هذا الموضوع وبعض المواضيع الأخر كحين بلوغ فخر الدين (رحمه الله) مرتبة الاجتهاد. والظاهر أن العلامة شرع في تأليف القواعد أوائل عام 699.
8- قال الشهيد الثاني (رحمه الله) بشأن مختلف الشيعة:
«هو آخر ما صنفه من الكتب الفقهية» (1). وتبعه العلامة بحر العلوم وقال:
«. وآخرها المختلف.» (2).
والظاهر أن هذا سهو من قلمه الشريف، فإن العلامة دون مختلف الشيعة في سبعة أجزاء، وفرغ من تدوين الجزء الأول سنة 699، ومن الجزء الثاني سنة 700، ومن الجزء الثالث سنة 702، ومن الجزء الرابع سنة 706، ومن الجزء الخامس سنة 707، ومن الجزء السادس سنة 708، ومن الجزء السابع والأخير أيضا سنة 708، كما يظهر من نسخة المخطوطة (3) ونسخته المطبوعة على الحجر.
وطبقا لذلك يكون العلامة قد بقي حيا بعد الانتهاء من تأليف المختلف 18 عاما آخر، وقد عكف في هذه الفترة على الاشتغال بتأليفات أخرى مثل تذكرة الفقهاء، فإنه فرغ من بعض أجزائه عام 716 ومن بعضها 718 ومن بعضها عام 720 (4).
وفي محاولة من العلامة الطهراني لرفع الإشكال الوارد على كلام الشهيد، قال:
Bogga 35
ويحتمل أن الشهيد أراد أن يكتب في الرسالة أن آخر تصانيفه في الفقه التذكرة، فسبق قلمه الشريف بالمختلف (1).
لكن هذا الاحتمال ليس بصحيح، فالقول الذي نسبه الشهيد للعلامة هو في المختلف، وليس في التذكرة، قال الشهيد:.
صرح به [يعني اشتراط حضور إمام الأصل أو نائبه في وجوب صلاة الجمعة] سلار (2)، وبعده ابن إدريس (3)، وربما مال العلامة في بعض كتبه إلى هذا القول، لكنه صرح بخلافه في غيره، خصوصا المختلف- وهو آخر ما صنفه من الكتب الفقهية- في هذا الباب (4).
فإن التصريح بخلاف قول سلار وابن إدريس كان في المختلف وليس في التذكرة، حيث إنه خالف في المختلف قول سلار وابن إدريس (5). أما في التذكرة فقد أفتى بما يوافق قول سلار وابن إدريس حيث يقول:
يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه. وأجمع علماؤنا كافة على اشتراط عدالة السلطان- وهو الإمام المعصوم- أو من يأمره بذلك (6).
وإضافة الى هذه القرينة، فإن المقارنة بين هذا القسم من المختلف وبين رسالة صلاة الجمعة توضح أن مراد الشهيد كان المختلف وليس التذكرة.
9- قال المدرس التبريزي ما ترجمته:
الذي يظهر من روضات الجنات أن كتاب نهاية الإحكام في معرفة الأحكام يشتمل على كتابي الطهارة والصلاة فقط (7).
Bogga 36
في حين أن القسم الموجود من نهاية الإحكام يشتمل- مضافا إلى الطهارة والصلاة- على القسم الأكبر من كتاب الزكاة وقسم من كتاب البيع.
وربما كان منشأ الاشتباه كلام العلامة نفسه في الإجازة لمهنا بن سنان التي كتبها عام 720 حيث يقول: «. نهاية الإحكام خرج منه الطهارة والصلاة مجلد» (1).
10- قال الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني:
المشهور أن أول كتاب ألفه العلامة هو كتاب منتهى المطلب. ويقال: أنه كان له في زمن تأليفه خمس وثلاثون سنة (2).
وتبعه العلامة بحر العلوم وقال في وصف المنتهى: «هو أول تصانيفه» (3).
ولكنه غير صحيح، فإن العلامة صرح في مقدمة منتهى المطلب بأن له حين تأليفه اثنتين وثلاثين سنة، حيث قال:
إنا في مدة عمرنا هذا- وهو اثنتان وثلاثون سنة- لم نشاهد من طلاب الحق إلا من قل، ومن القاصدين للصواب إلا من جل (4).
وقال أيضا:
قد بينا في كتبنا العقلية أن. وقد بينا في أصول الفقه شرح هذا الحد على الاستقصاء (5).
وهذا دليل على أن العلامة قبل تأليفه لكتاب المنتهى ألف كتبا أخرى أو شرع في تأليفها، ومن المستبعد جدا أن يكون العلامة قد أضاف هذه
Bogga 37
الموضوعات في المقدمة بعد الانتهاء من تأليف المنتهى، نعم، ربما كان مراد صاحب الرياض والعلامة بحر العلوم أنه أول كتاب فقهي للعلامة وليس مطلق التأليف.
11- قال العلامة في وصف كتابه منتهى المطلب:.
يتم إن شاء الله تعالى، عملنا منه إلى هذا التاريخ- وهو شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وستمائة- سبع مجلدات (1).
وقال في الإجازة لمهنا بن سنان- التي كتبها سنة 720، كما صرح به في آخر الإجازة-: «كتاب منتهى المطلب، خرج منه العبادات سبع مجلدات» (2). وفي هاتين العبارتين دليل على أن العلامة كتب حتى عام 693 سبع مجلدات من المنتهى ولا يستفاد من عبارة الخلاصة على الإطلاق أنه حرر المجلد السابع في عام 693، لكن الشيخ آقا بزرگ الطهراني توهم ذلك فقال:.
وخرج منه إلى المعاملات في سبع مجلدات. وفرغ من السابع في ربيع الثاني [كذا، والصواب: ربيع الآخر] 693 كما في الخلاصة. (3).
والحال- كما مر- أن العلامة لم يقل في الخلاصة أنه فرغ من تدوين المجلد السابع في عام 693، بل قال إنه حتى ذلك التاريخ فرغ من تدوين سبعة مجلدات من المنتهى، ومن الممكن أن العلامة كان قد كتب المجلد السابع قبل هذا التاريخ، كما كتب في الإجازة لابن سنان في عام 720: «خرج منه العبادات سبع مجلدات»، وليس هذا دليلا على أن عام 720، كان عام الفراغ من تأليف المجلد السابع.
12- قال صاحب الروضات:
Bogga 38
ثم ليعلم أنه (رحمه الله) ذكر في خطبة كتاب المنتهى أنه فرغ من تصانيفه الحكمية والكلامية، وأخذ في تحرير الفقه من قبل أن يكمل له ست وعشرون سنة (1).
وتبعه الآخرون (2).
لكن العلامة لم يورد في خطبة منتهى المطلب ولا في خطبة منتهى الوصول هذا الكلام، يضاف إلى ذلك أن تأليف بعض الكتب الحكمية والكلامية للعلامة تم وقد تجاوز السادس والعشرين من أعوام حياته، مثل:
أ- أنوار الملكوت في شرح الياقوت، الذي ورد في آخره (3) أنه انتهى من تأليفه عام 684 حيث كان يبلغ ستة وثلاثين عاما.
ب وج- نهج المسترشدين في أصول الدين، وكذلك كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، فقد ألف العلامة هذين الكتابين نزولا عند رغبة ولده فخر المحققين (4)، ونحن نعلم أن ولادة فخر المحققين كانت في عام 682، أي إن العلامة رزق بولده فخر المحققين وعمره أربعة وثلاثون عاما. (34 648- 682).
وإذا افترضنا أن ابنه فخر المحققين طلب تأليف الكتابين من والده وهو في أقل تقدير يبلغ من العمر عشرة أعوام فإن ذلك يقودنا إلى أن عمر العلامة عند تأليف نهج المسترشدين وكشف الفوائد كان ما لا يقل عن أربعة وأربعين عاما.
د- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، فإنه فرغ من تأليفه في شهر ربيع الأول عام 690، كما جاء في مخطوطة منه موجودة في مكتبة شبستر بيتي في دبلن، برقم 4279، وعنها مصورة في مكتبة آية الله المرعشي (رحمه الله)، برقم 448 (5).
Bogga 39
همناهج اليقين في أصول الدين، فإنه فرغ منه في شهر ربيع الآخر عام 680، حيث كان عمره اثنين وثلاثين عاما، كما في بعض نسخة القديمة المخطوطة (1).
و- معارج الفهم في شرح النظم، فإنه فرغ منه في سادس شهر رمضان المبارك عام 678، حيث كان عمره ثلاثين عاما (2).
ز- إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد، فإنه فرغ منه في ثامن شوال عام 694، حيث كان عمره ستة وأربعين عاما (3).
ح- الباب الحادي عشر، وهو الباب الحادي عشر من كتابه منهاج الصلاح في اختصار المصباح، فإنه فرغ منه في 11 شهر ذي الحجة عام 723، حيث كان عمره خمسة وسبعين عاما (4).
يضاف إلى ذلك أن العلامة عدد في خلاصة الأقوال- الذي ألفه في عام 693، أي عند ما كان عمره خمسة وأربعين عاما (5)- آثاره وكتب يقول:
كتاب المقاومات، باحثنا فيه الحكماء السابقين، وهو يتم مع تمام عمرنا (6).
ويتجلى من خلال هذا الكلام أن العلامة كان مشتغلا بالتأليفات الحكمية والكلامية بعد بلوغ عمره خمسة وأربعين عاما.
13- قال بعض أصحاب التراجم:
قال أستاذه الطوسي عند ما شرح العلامة كتبه: «لو لم يكن هذا الشاب
Bogga 40
العربي لكانت كتبي ومقالاتي في العلوم كبخاتي خراسان غير ممكنة من السلطة عليها» (1).
لكن هذا الكلام غير صحيح، حيث إن العلامة الحلي كتب ثلاثة شروح على آثار المحقق الطوسي، وذلك بعد وفاة الطوسي، ولم يشرح شيئا من آثاره في حياته، والشروح هي:
أ - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ذكر العلامة في مقدمة شرحه أنه كتب ذلك بعد وفاة المحقق الطوسي حيث يقول:.
حيث وفقنا الله تعالى للاستفادة من مولانا الأفضل، العالم الأكمل، نصير الملة والحق والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله تعالى روحه الزكية في العلوم الإلهية والمعارف العقلية و. ولما عرج إلى جوار الرحمن ونزل بساحة الرضوان وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد و. فوضعنا هذا الكتاب الموسوم بكشف المراد. (2).
وكما مر فإن العلامة فرغ من تأليفه عام 696 أو 690، أي بعد أربعة وعشرين أو ثمانية عشر عاما من وفاة المحقق الطوسي.
ب- كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، وكما تقدم فإن العلامة ألف الكتاب استجابة لطلب ولده فخر الدين، وكما هو معلوم فإن فخر الدين ولد في عام 682 أي بعد عشرة أعوام من وفاة الطوسي، ويستفاد من بداية الكتاب أيضا أنه كتبه بعد وفاته.
ج- الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، فإنه- كما يظهر من مقدمته- ألفه بعد وفاة المحقق الطوسي قدس الله روحه الزكية وأفاض على تربته المراحم الربانية (3).
Bogga 41
14- قال الشيخ الحر العاملي (رحمه الله) في ترجمة العلامة:
قرأ على المحقق الحلي والمحقق الطوسي في الكلام وغيره من العقليات، وقرأ عليه في الفقه المحقق الطوسي (1).
ونقله عنه آية الله السيد الخوئي (قدس سره)(2). ورد جملته الأخيرة صاحب الرياض قائلا:
ما حكاه الشيخ المعاصر. غير واضح من وجوه: منها أنه لم ينقل في أحد من الإجازات سوى أنه يروي العلامة عنه، وأما العكس فلم يوجد في موضع واحد (3).
وأيد بعض المعاصرين كلام الشيخ الحر ورد كلام الرياض قائلا:
أقول: ما ذكره المولى الأفندي في غير محله، إذ أن تدريس شخص لآخر في علم وحضور ذلك الشخص درس الآخر في علم ثان كان متعارفا في ذلك الزمان، فإن كل عالم كان يتخصص في علم يمتاز به على بقية العلماء فهو يدرس الآخرين بما تخصص به ويدرس عند نفس تلامذته بما تخصصوا به، والشواهد على هذا المطلب كثيرة أكثر من أن تحصى. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود الحركة العلمية الكبيرة التي كانت في زمن العلامة، وعلى وجود الروح الصافية المتواضعة المتعطشة إلى طلب العلم عند العلماء آنذاك. وعدم نقل أحد لما ذكره الحر العاملي لا يدل على عدم وجوده، فكم من أشياء مهمة لم تنقل إلينا، بل الذي لم ينقل إلينا أكثر مما نقل. فما ذكره الحر لم يأت به من عند نفسه، بل اعتمد فيه على مصدر مهم اقتنع بصحته فنقله (4).
أقول: واضح أنه لم يورد دليلا على صحة كلام الشيخ الحر العاملي وقد اكتفى بالادعاء فقط، وأما قوله: «ما ذكره الحر. اعتمد فيه على مصدر مهم.» فقد عثرنا على كثير من أمثال هذه الاشتباهات في أمل الآمل
Bogga 42