Hashiyat Ibn Abidin

Ibn Abidin d. 1252 AH
73

Hashiyat Ibn Abidin

حاشية ابن عابدين

Daabacaha

شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1386 AH

Goobta Daabacaadda

مصر

تَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ، وَمَا هُوَ الْأَوْفَقُ وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ التَّعَامُلُ وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ، وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ عَمَّنْ يُمَيِّزُ هَذَا حَقِيقَةً لَا ظَنًّا، وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ أَنْ يَرْجِعَ لِمَنْ يُمَيِّزُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْقَبُولَ، بِجَاهِ الرَّسُولِ، كَيْفَ لَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءَ تَبْيِيضِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْمَحْرُوسَةِ، وَالْبُقْعَةِ الْمَأْنُوسَةِ، تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ، وَحَائِزِ الْكَمَالِ وَالْبَسَالَةِ، وَضَجِيعَيْهِ الْجَلِيلَيْنِ الضِّرْغَامَيْنِ الْكَامِلَيْنِ ﵄، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَوَالِدِينَا وَمُقَلِّدِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، ثُمَّ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ الشَّرِيفَةِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَفِي الْحَطِيمِ وَالْمَقَامِ، وَاَللَّهُ الْمُيَسِّرُ لِلتَّمَامِ. ــ [رد المحتار] أَيْ صَرِيحٍ أَوْ ضِمْنِيٍّ: فَالصَّرِيحُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرَهُ سَابِقًا. وَالضِّمْنِيُّ مَا نَبَّهْنَاك عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي وَقْفِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْآخَرُ غَيْرَهَا فَقَدْ صَرَّحُوا إجْمَالًا بِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ ضِمْنِيٌّ لِكُلِّ مَا كَانَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ بِلَا تَرْجِيحٍ صَرِيحٍ لِمُقَابِلِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُتُونِ أَوْ الشُّرُوحِ، أَوْ كَانَ قَوْلَ الْإِمَامِ، أَوْ كَانَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ فِي غَيْرِ مَا اسْتَثْنَى، أَوْ كَانَ أَنْفَعَ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: وَمَا قَوِيَ وَجْهُهُ) أَيْ دَلِيلُهُ الْمَنْقُولُ الْحَاصِلُ لَا الْمُسْتَحْصِلُ؛ لِأَنَّهُ رُتْبَةُ الْمُجْتَهِدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو الْوُجُودُ) أَيْ الْمَوْجُودُونَ أَوْ الزَّمَانُ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَخْلُو، وَأَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْيَقِينَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَقِّ الْأَمْرِ إذَا ثَبَتَ وَالْيَقِينُ ثَابِتٌ، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ لَا ظَنًّا، وَجَزَمَ بِذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى تَأْتِيَ السَّاعَةُ» . (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ) أَيْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ كَأَكْثَرِ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا الْآخِذِينَ الْمَنَاصِبَ بِالْمَالِ وَالْمَرَاتِبِ، وَعَبَّرَ بِعَلَى الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ - ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]-. (قَوْلُهُ: فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ) أَيْ إلَى اتِّبَاعِ الرَّاجِحِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَمَا يُوصِلُ إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَقَامَ أَصْعَبُ مَا يَكُونُ عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِفْتَاءِ. وَالتَّوْفِيقُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ مَعَ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَالْقَبُولَ) أَيْ قَبُولَ سَعْيِنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، بِأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، لِيَحْصُلَ بِهِ النَّفْعُ الْعَمِيمُ وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ. (قَوْلُهُ: بِجَاهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَسْأَلُ: أَيْ نَسْأَلُهُ مُتَوَسَّلِينَ فَلَيْسَتْ الْبَاءُ لِلْقَسَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ. وَالْجَاهُ الْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) أَيْ كَيْفَ لَا نَسْأَلُهُ الْقَبُولَ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُفِيدُ الظَّنَّ بِحُصُولِهِ. (قَوْلُهُ: فِي الرَّوْضَةِ) هِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَتُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ قَوْلُهُ تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ ﷺ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا تُمْكِنُ مُوَاجِهَةُ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَسَالَةِ) أَيْ الشَّجَاعَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: الضِّرْغَامَيْنِ) تَثْنِيَةُ ضِرْغَامٍ كَجِرْيَالٍ وَهُوَ الْأَسَدُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا ضَرْغَمٌ كَجَعْفَرٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَتَثْنِيَةُ الثَّانِي ضَرْغَمَيْنِ كَجَعْفَرَيْنِ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُجَاهَ) عَطْفٌ عَلَى تُجَاهٍ الْأَوَّلِ، فَالِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ تُجَاهَ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ ﷺ، وَالْإِضَافِيُّ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَطِيمِ) أَيْ الْمَحْطُومِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ وَأُخْرِجَ، أَوْ الْحَاطِمُ لِأَنَّهُ يُحَطِّمُ الذُّنُوبَ ط. (قَوْلُهُ: وَالْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ الْخَلِيلِ، وَهُوَ حَجَرٌ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ الْخَلِيلُ ﵊ حَالَ بِنَاءِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ط. (قَوْلُهُ: الْمُيَسِّرُ) أَيْ الْمُسَهِّلُ، وَيَتَوَقَّفُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى عَلَى التَّوْقِيفِ وَإِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: لِلتَّمَامِ) مَصْدَرُ تَمَّ يَتِمُّ وَاسْمٌ لِمَا يَتِمُّ بِهِ الشَّيْءُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ بُلُوغُ التَّمَامِ، وَكَذَا يَقُولُ أَسِيرُ الذُّنُوبِ جَامِعُ هَذِهِ الْأَوْرَاقِ رَاجِيًا مِنْ مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ، مُتَوَسِّلًا بِنَبِيِّهِ الْعَظِيمِ وَبِكُلِّ ذِي جَاهٍ عِنْدَهُ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ كَرَمًا وَفَضْلًا بِقَبُولِ هَذَا السَّعْيِ وَالنَّفْعِ بِهِ لِلْعِبَادِ، فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ، وَبُلُوغِ الْمَرَامِ، بِحُسْنِ الْخِتَامِ، وَالِاخْتِتَامِ، آمِينَ.

1 / 78