Hashiyat al-‘Attar ‘ala Jam‘ al-Jawami‘
حاشية العطار على جمع الجوامع
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Usulul Fiqh
لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ حِينَئِذٍ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥] أَيْ وَلَا مُثِيبِينَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ مِنْ الْعَذَابِ
ــ
[حاشية العطار]
وَبَدَّلَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِمَا لَا يُعْذَرُ بِهِ كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَتَغْيِيرِ الشَّرَائِعِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُوَافِقُ إطْلَاقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَلَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا بِالشَّرْعِ حَتَّى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّا لَا نَتَعَبَّدُ أَصْلًا وَفَرْعًا إلَى بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ثَبَتَ تَعْذِيبُهُ مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ بَقِيَ شَرْعُهُ إذْ ذَاكَ كَعِيسَى ﵇ لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ بَيْنَ رَسُولَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مُرْسَلًا إلَيْهِمْ وَلَا أَدْرَكُوا الثَّانِيَ فَهُمْ أَهْلُ فَتْرَةٍ وَقَدْ فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمِلَلُ مِنْ الْفُرُوعِ هَلْ هُوَ كَالْإِيمَانِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ هَذَا النِّزَاعُ فِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِأَنْ يُرَادَ بِهِ لَا حُكْمَ أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ قَبْلَ بَعْثَةِ أَحَدٍ مِنْ الرُّسُلِ إلَيْهِ وَإِنْ بُعِثَ إلَى غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ) أَيْ الْحُكْمِ قَبْلَ الشَّرْعِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَقَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ لَا شَرْعَ وَهُوَ ظَرْفٌ لِلِانْتِفَاءِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا دَلِيلٌ أَتَى وَمَا سَيَجِيءُ أَنَّهُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْقَيْدِ دَلِيلٌ لِمَنٍّ تَأَمَّلَ.
(قَوْلُهُ: مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ) بَيَانٌ لِلَازِمِهِ وَقَدْ يُمْنَعُ اللُّزُومُ بِانْفِكَاكِ التَّرَتُّبِ عَنْ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُ الظُّهْرِ مَثَلًا بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ثَوَابٌ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَرَتُّبُ مَا ذُكِرَ تَرَتُّبَ اسْتِحْقَاقِ الشَّخْصِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ أَوْ نَفْسَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا لَازِمٌ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الدَّلِيلُ بِتَقْدِيرِ تَمَامِيَّتِهِ إنَّمَا يَنْهَضُ لِنَفْيِ مَا كَانَ مَلْزُومًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ غَيْرِهِ كَالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْجَمِيعِ وَأَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ مَا ذُكِرَ لَازِمًا مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِشَرْطِ وُجُودِ الْبَعْثَةِ فَلَا يَدُلُّ انْتِفَاؤُهَا قَبْلَهَا عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَإِذَا انْتَفَى مَلْزُومُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَفَى غَيْرُهُ أَيْضًا وَأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ مُطْلَقًا حَيْثُ أَثْبَتُوا الْإِثْمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ خِلَافًا لِلْمُحْتَرَزِ وَإِذَا كَانَ لَازِمًا عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا فَانْتِفَاؤُهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَلْزُومِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ قَبْلَهَا.
(قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ [الإسراء: ١٥] الْآيَةَ) قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ يَتِمُّ إذَا كَانَ مَقْصُودُنَا تَحْصِيلَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عِلْمِيَّةً فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالدَّلَائِلِ الظَّنِّيَّةِ اهـ.
وَقَدْ ضَعَّفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا آيَةُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ الْعَقْلِيُّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا بَاطِلٌ فَذَاكَ بَاطِلٌ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إذَا جَاءَ الشَّرْعُ وَادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَمِعِ اسْتِمَاعُ قَوْلِهِ وَالتَّأَمُّلُ فِي مُعْجِزَاتِهِ أَوْ لَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَقَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالنُّبُوَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالشَّرْعِ فَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْلِ فَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ الْعَقْلِيُّ وَإِنْ وَجَبَ بِالشَّرْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَوْ غَيْرَهُ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُ الْكَلَامِ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَقُولُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي أَنِّي أَقُولُ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِي وَهَذَا إثْبَاتٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْعُ غَيْرَهُ كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَلَزِمَ.
أَمَّا الدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ وَهُمَا مُحَالَانِ قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ إذَا أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولٌ ثَبَتَ صِدْقُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ مَحْذُورٍ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الشَّرْعُ بِمَعْنَى أَنَّ
1 / 89