[الخطبة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أفضل المرسلين محمد وعترته الطاهرين، والسلام عليهم أجمعين.
قوله: «الحمد لله». الحمد: هو الثناء على الجميل، ولا يحتاج إلى التقييد باللسان (1)؛ لأن الثناء لا يكون إلا به، وثناء الله تعالى على نفسه مجاز. ولا إلى قصد التعظيم والتبجيل (2)، ليخرج الاستهزاء والتهكم؛ لأن الثناء لا يطلق حقيقة إلا على الخير عند
Bogga 399
رب العالمين، (1)
المحققين (1)، وأيضا فإن التبجيل لغة: هو التعظيم (2)، فلا وجه للجمع بينهما في التعريف.
هذا إن جعلنا الحمد والمدح أخوين، وإلا زيد في التعريف تقييد الجميل بالاختياري؛ ليخرج المدح، لأنه أعم.
وإطلاق الثناء على الجميل يشمل كونه في مقابلة نعمة وغيرها، فخرج الشكر؛ لاختصاصه بالأول، وما يدخل فيه من أفراد الشكر هو حمد أيضا، فلا يحتاج إلى إخراجه، وبما ذكر يعلم وجه اختيار الحمد عليهما.
واللام في «لله» للاختصاص، فلا فرق حينئذ بين كون لام «الحمد» للجنس أو الاستغراق.
قوله: «رب العالمين». الرب: هو السيد المالك، ولم يطلق إلا على الله وحده، ويقيد في غيره فيقال: رب الدار ورب الضيعة (3).
Bogga 400
والصلاة (1) على أفضل المرسلين (2)
والعالم: اسم لأولى العلم من الملائكة والثقلين، أو اسم لما يعلم به الصانع من الجواهر والأجسام والأعراض (1).
قوله: «والصلاة». قيل: هي من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء. (2)
وقيل: من الله الرحمة، ومن غيره طلبها؛ لأن الاستغفار والدعاء طلب لها. وكلا التعريفين يستلزم الاشتراك. (3)
وقيل: الدعاء من الله وغيره، لكنها منه مجاز في الرحمة (4)، وهو أنسب للمعنى اللغوي (5) وأجود؛ لأن المجاز خير من الاشتراك.
قوله: «المرسلين». هم أخص من الأنبياء؛ لأن النبي إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بذلك فرسول أيضا. وقيل: وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب، أو ناسخ لشرع من قبله، فإن كان له ذلك فرسول أيضا. (6) فتفضيله على المرسلين يستلزم تفضيله على سائر الخلق، أما على البشر فظاهر؛ لأن أفضليته على الرسل يقتضي أفضليته على الأنبياء. (7) وأما على الملائكة؛ فلما تحقق في الكلام أن الأنبياء أفضل منهم على المذهب الحق. (8)
Bogga 401
محمدو عترته الطاهرين (1).
وبعد، فهذه (2) رسالة (3) وجيزة (4) في فرض الصلاة، (5)
قوله: «محمد وعترته الطاهرين». محمد: علم منقول من اسم المفعول المضعف للمبالغة، سمي به نبينا (صلى الله عليه وآله) بإلهام من الله، وتفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له؛ لكثرة خصاله الحميدة.
والمراد بالعترة: الأئمة الاثنا عشر وفاطمة (عليهم السلام)، قال الجوهري: عترة الرجل:
نسله ورهطه الأدنون. (1) فيدخل في الأول من عدا علي (عليه السلام)، ويدخل هو في الثاني.
قوله: «فهذه». إشارة إلى المدون في الخارج إن كان وضع الخطبة بعد الفراغ من الرسالة، وإلى المرتب الحاضر في الذهن إن كان قبله. والتحقيق أنه إشارة إلى المرتب الحاضر في الذهن مطلقا؛ إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعانيها في الخارج.
قوله: «رسالة». هي طائفة من الكلام قليلة، تجمع لغرض من الأغراض.
قوله: «وجيزة». أي قليلة اللفظ كثيرة المعنى، ويقابلها المطنبة، وتطلق على متناسب اللفظ والمعنى المتوسط.
قوله: «في فرض الصلاة». أي في واجبها؛ لمرادفة الفرض للواجب عندنا.
Bogga 402
إجابة (1) لالتماس (2) من طاعته حتم (3)
والمراد به الجنس؛ لأن الغرض ذكر جميع الواجبات للصلاة الواجبة. وإضافة الفرض إلى الصلاة يقتضي إرادة الواجبة منها وإن كانت أعم لولا الإضافة، إذ لا فرض للمندوبة.
قوله: «إجابة». مصدر أجاب يجيب، وانتصابه على المفعول لأجله.
قوله: «لالتماس». هو الطلب من المساوي حقيقة أو ادعاء، حسب ما يقتضيه المقام، ففيه ضرب من التعظيم للطالب، وكذا في إبهام اسمه كما قرر في محله.
قوله: «من طاعته حتم». المناسب لباب الخطابة كونه على جهة المبالغة، كما في جعله مساويا له مع القطع بعدمه.
وقيل: إنما كانت حتما؛ لأنه سأل واجبا. (1) ورد بأنه مع تفويته لجزالة الكلام وفوات الغرض من المبالغة، لا يتم إلا أن يقول: طاعته في ذلك حتم، لا مع الإتيان بها مطلقة.
وبأن الواجب التعليم لا التصنيف (2).
ويمكن الجواب عن الأول بدلالة السياق على اختصاص الحتم بهذه الإجابة كما لا يخفى، وعن الثاني بأن الوجوب هنا من باب الوجوب التخييري، فبأي فرد أتى به كفى في تأديته، إما التصنيف أو التعليم، فإن الواجب إيصال المعاني إلى فهم المكلف كيف اتفق، غير أنه خروج من مقاصد أبواب الخطابة.
Bogga 403
وإسعافهغنم (1)، والله المستعان.
وهي مرتبة (2) على مقدمة، وفصول ثلاثة، وخاتمة (3).
قوله: «وإسعافه غنم». هو مصدر أسعفته بحاجته إذا قضيتها له، والغنم بالضم مصدر غنم، وفي الإخبار بالمصدر مبالغة وتأكيد.
قوله: «وهي مرتبة». الترتيب: جميع الأشياء المختلفة وجعلها بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعضها نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر في النسبة العقلية وإن لم تكن مؤتلفة. وهو أعم من التأليف من وجه؛ لأنه ضم الأشياء مؤتلفة، سواء كانت مرتبة في الوضع أم لا. وعما معا أخص من التركيب مطلقا؛ لأنه ضم الأشياء مطلقا، يطلق عليه اسم الواحد أم لا.
قوله: «على مقدمة، وفصول ثلاثة، وخاتمة». المقدمة، بكسر الدال وفتحها، والكسر أفصح. والمراد بها: طائفة من الكلام تكون أمام المقصود؛ لارتباط بينهما.
والفصل لغة: الحاجز (1). وعرفا: الجامع المسائل متحدة جنسا مختلفة نوعا، كذا قيل (2)، والأولى اختصاص كل كتاب باصطلاح للتعبير عن الفصل بغيره في مواضع مختلفة.
والخاتمة: ما به يستدرك فائت المباحث السالفة.
ووجه الحصر أن البحث إما عن المقصود بالذات، أو عما يتوقف عليه توقف اللاحق على السابق.
والأول إما عن الشرط، أو المشروط، أو المانع المنافي، أو عما بقي من مباحثه ولم يلتئم معه في بابه. والأول الفصل الأول، والثاني الثاني، والثالث الثالث،
Bogga 404
..........
والرابع الخاتمة.
والثاني- وهو غير المقصود بالذات مع توقفه عليه- هو المقدمة.
وإنما جعلنا الخاتمة من المقصود بالذات (1)؛ لأن غرض الرسالة بيان واجبات الصلاة بأنواعها، لا اليومية وحدها، والخاتمة مشتملة على كثير من فروض الصلاة غير اليومية.
وخص بعضهم المقصود بالذات بغير الخاتمة والمقدمة (2)، وبعضهم بما هو أخص من ذلك وهو فصل المقارنات (3)، وما ذكرناه أوفق لمقصود الرسالة، والله أعلم.
Bogga 405
[المقدمة]
Bogga 407
أما المقدمة فالصلاة الواجبة (1): أفعال معهودة، مشروطة بالقبلة والقيام اختيارا، تقربا إلى الله تعالى.
قوله: «فالصلاة الواجبة. إلى آخره». هذا تعريف للصلاة الواجبة، التي هي موضوع الرسالة، من حيث إنه يبحث فيها عن واجباتها.
وتندرج في التعريف الأصناف السبعة، فال(أفعال) بمنزلة الجنس يشمل العبادات وغيرها وأفعال القلب واللسان والجوارح، وبقية القيود بمنزلة الفصل.
Bogga 409
واليومية واجبة بالنص والإجماع، (1)
والمراد ب (المعهودة) عند الشارع، فخرج بها ما لم ينقل شرعا على وجه معين كالمباحات.
وخرج بال (مشروطة بالقبلة) الطواف والسعي ونحوهما من العبادات المعهودة شرعا، مع عدم توقفها على الاستقبال بها. وبالمشروطة ب (القيام) الذبح وأحكام الموتى التي يشترط فيها الاستقبال.
وبقيد الاختيار تندرج صلاة المضطر في القبلة والقيام، كالمتحير مع عجزه عن الصلاة إلى أربع، والمريض، فلو لا القيد لخرجت.
وقيد القربة بيان للغاية لا للإدراج ولا للإخراج، وسوغ ذكره الإشارة إلى العلل الأربع التي لا تتم إلا به، أعني المادة والصورة والفاعل والغاية، التي لا ينفك عنها مركب صادر عن فاعل مختار. فالأفعال إشارة إلى المادة، ومع القيود إلى الصورة، والتقرب إلى الغاية، والأفعال تدل على الفاعل التزاما.
وينتقض في عكسه بصلاة الاحتياط، التي يتخير فيها المكلف بين القيام والقعود اختيارا، واحتمال زيادتها لا يخرجها عن أصل الوجوب، ومن ثم أجزأت لو ظهر نقص الصلاة بعدها. وقد نبه المصنف في آخر الرسالة على أنها من الأصناف السبعة في قوله:
«ويدخل في شبه النذر صلاة الاحتياط». (1) وقد ينتقض في طرده بأمور أخرى.
قوله: «واليومية واجبة بالنص والإجماع». إنما خصها؛ لأن غيرها من الصلوات الواجبة مختلف فيه، أما من غيرنا ففي صلاة الآيات (2)، وأما منا ففي ما عدا الكسوف من
Bogga 410
ومستحل تركها كافر (1).
وفيها ثواب جزيل، (2)
الأخاويف السماوية (1) والمراد بالإجماع هنا: إجماع المسلمين قاطبة الذين يعتبر قولهم في انعقاد الإجماع، بدليل ترتب الكفر على مستحلها.
قوله: «ومستحل تركها كافر». الضمير يعود على «اليومية»؛ لقربها، ولعدم صحة الحكم فيما عداها. وفي حكم استحلالها استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة، أو جزء كالركوع.
واللازم من كفره كونه مرتدا إن سبق له إسلام، فيقتل إن كان عن فطرة، ويستتاب إن كان عن غيرها، فإن تاب فبها، وإلا قتل، وتقبل دعوى الشبهة المحتملة في حقه كقرب عهده بالإسلام.
ولو تركها غير مستحل عزر، فإن عاد عزر، فإن عاد قيل: قتل في الثالثة (2)، والأولي قتله في الرابعة. ولا تقتل المرأة مطلقا، بل تحبس وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت، وفي الخنثى نظر.
قوله: «وفيها ثواب جزيل». الضمير يعود على «اليومية» كما تقدم، والغرض بذلك الترغيب والترهيب في فعلها ومن تركها، كما هو بعض أغراض المقدمة.
Bogga 411
ففي الخبر (1) بطريق أهل البيت (عليهم السلام): «صلاة فريضةخير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا (2) يتصدق منه حتى يفنى». وعنهم (عليهم السلام):
«ما تقرب العبد إلى الله بشيء بعد المعرفة أفضل من الصلاة».
قوله: «ففي الخبر. إلى آخره». في العطف بالفاء- بعد عود الضمير على اليومية- تنبيه على أن المراد بصلاة الفريضة في الخبر (1) اليومية، فلا يرد على الحديث حينئذ النقض بلزوم تفضيل الشيء على نفسه، حيث إن الحجة مشتملة على صلاة فريضة؛ لعدم إرادة الإطلاق (2) من الحديث.
ويؤيد تفضيلها على سائر الأعمال- بعد المعرفة- حتى الصلاة الواجبة غيرها، ما في الأذان والإقامة من (حي على خير العمل) مع اختصاصهما باليومية (3)، وتفضيل بعض العبادات على بعض إنما يعلم من قبله تعالى.
وهذا التوجيه أجود مما ذكره المصنف في القواعد من كون المعارضة بين الصلاة الواجبة والحج المندوب، أو بين المتفضل به في الصلاة والمستحق في الحج مع قطع النظر عن المتفضل به في الحج، أو بين الصلاة في ملتنا والحج في غير هذه الملة. (4)
قوله: «خير من بيت مملوء ذهبا إلى آخره». قيل: المراد به ما يكون مجتمعا من
Bogga 412
وأعلم أنها تجب (1).
الصدقات الواجبة؛ لأن المندوب (1) لا مزية في تفضيل بعض الواجبات عليه، فلا يحسن ذكره في مقام الترغيب. (2)
وفيه حينئذ إشارة إلى أن الحج أفضل من الزكاة والخمس والكفارات ونحوها، وفيه نظر؛ لأن تفضيل بعض المندوبات على الواجب واقع شرعا، كما في إنظار المعسر فإنه واجب، وإبراؤه من الدين مندوب مع أنه أفضل من الإنظار، وقد عقد له المصنف قاعدة برأسها في قواعده. (3)
ومما يستبعد كون الصدقة بدرهم فرضا أفضل من الصدقة بمائة ألف تطوعا، وما زاد على ذلك أضعافا. قال بعض الأفاضل- ونعم ما قال-: إن المراد بكون الواجب أفضل من المندوب مع التساوي في الكمية، بمعنى أن درهما صدقة واجبة أكثر ثوابا منه صدقة مندوبة، أما مع زيادة المندوب فلا دليل يدل على التفضيل عليه، نعم قد ورد أن «الفرض أفضل من سبعين مثلا من النفل»، فإن ثبت بقي الكلام فيما زاد. (4)
قوله: «وأعلم أنها تجب». إن عاد الضمير إلى اليومية- جريا على ما تقدم- لم تتم فائدة الكلام؛ لأن غيرها من الصلوات (5) الواجبة كذلك، حتى الجنازة، فإن الواجب الكفائي واجب بقول مطلق، بل هو فرد من أفراد الواجب المطلق، كما أن الواجب العيني فرد له.
وإن عاد إلى الصلاة المعرفة- وهي الواجبة مطلقا- اختلف مرجع الضمائر، وهو مستهجن.
Bogga 413
على كل بالغ عاقل (1)، إلا الحائض والنفساء (2). ويشترط في صحتها الإسلام، لا في وجوبها (3).
وعلى كل حال فالثاني أولى؛ لعموم الفائدة، وعقد الرسالة للجميع، وحصول القرينة المعينة. لكن يبقى فيه أن صلاة الجنازة لا يشترط فيها الطهارة، فتجب على الحائض والنفساء، إلا أن في دخولها في أقسام الصلاة الواجبة على وجه الحقيقة نظر، وقوله (صلى الله عليه وآله): «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (1)، و«لا صلاة إلا بطهور» (2)، وغيرهما (3)، يريد عدم الحقيقة.
قوله: «على كل بالغ عاقل». ولو في بعض الوقت إذا أدرك من أوله أو وسطه قدر الصلاة وشرائطها المفقودة، أو من آخره قدر ركعة معها.
قوله: «إلا الحائض والنفساء». فلا تجب عليهما في حال الحيض والنفاس، بل لا تصح، ولا تحتاج إلى التقييد باستيعاب العذر الوقت. ولو عرض بعد مضي مقدار الصلاة والشرائط من أوله، أو زال وقد بقي من الوقت مقدار ركعة كذلك، وجبت؛ لأن الواجب حينئذ مستند إلى الطهر، فقد صدق أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما مطلقا.
قوله: «ويشترط في صحتها الإسلام لا في وجوبها». فتجب على الكافر كما تجب عليه سائر التكليفات السمعية عندنا، وعند الأكثر (4)، لدخوله تحت الأوامر العامة، لكن لا تصح منه ما دام على كفره؛ لامتناع تقربه على وجهه. والمخالف في ذلك أبو حنيفة، حيث ذهب
Bogga 414
ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى، وما يصح عليه ويمتنع (1)، وعدله وحكمته، ونبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وإمامة الأئمة (عليهم السلام)، والإقرار بجميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) (2)، كل ذلك بالدليل لا بالتقليد (3).
إلى كونه غير مكلف بفروع الشريعة (1)، ويرده قوله تعالى حكاية عن الكفار ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين (2) وغيرها من الآيات، وتحقيق المسألة في الأصول.
وكما يشترط الإسلام في صحتها يشترط الإيمان أيضا، وسيأتي التنبيه عليه، وعدم وجوب القضاء على العامي إذا استبصر لا ينافي الاشتراط كما في الكافر إذا أسلم.
قوله: «وما يصح عليه ويمتنع». أراد ب (ما يصح عليه): صفاته الثبوتية الثمان، وبما (يمتنع): صفاته السلبية السبع. وهذا بخلاف ما ذكره الفاضل في الباب الحادي عشر (3)، فإنه أراد بهما باب العدل. ووجه الاختلاف ذكره هنا باب العدل، وهناك الصفات الثبوتية والسلبية، ولكل وجه وإن كان ما هنا أحسن.
قوله: «بجميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله)». أي مما ثبت بالتواتر، لا مطلق ما ورد.
قوله: «بالدليل لا بالتقليد». الدليل: هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.
والتقليد: هو الأخذ بقول الغير من غير حجة، مأخوذ من تقليده بقلادة وجعلها في عنقه، فكأن المقلد يجعل ما يعتقده قلادة في عنق من قلده.
Bogga 415
والعلم المتكفل بذلك علم الكلام (1).
ثم المكلف(1)بها الآن (2) من الرعية صنفان:
ولا ينحصر الدليل فيما ذكره العلماء، بل كل ما أوصل منه إلى العلم بالأمور المذكورة، كدليل العجوز وغيرها.
ولا يشترط في ذلك عبارة؛ لقصور العوام عنها غالبا، بل يكفي المعرفة بذلك بالقلب والتصور له بمخيلة الذهن.
ولا يشترط معرفة شرائط الدليل والإنتاج بإتقان علم الحد والبرهان في الوجوب العيني، وإنما ذلك من الواجبات الكفائية لرد شبهة الخصوم؛ حراسة للمذهب من تسلط الخصم.
قوله: «علم الكلام». هو العلم الباحث عن الذات الإلهية وصفاتها وأفعالها، والنبوة، والإمامة، والمعاد على قانون الإسلام، سمي به لوجوه مذكورة فيه.
قوله: «ثم المكلف بها الآن». الضمير يعود إلى الصلاة الواجبة مطلقا، كما ذكر فيما قبله (2)؛ لعدم اختصاص اليومية بذلك. وإنما عطف ب (ثم) لينبه على شدة افتراق المعطوف والمعطوف عليه، إذ الأول محله أصول الفقه، والثاني أصول الدين.
و(الآن): اسم للزمان الحاضر، وأراد به زمانه (رحمه الله)، وما ماثله من زمان غيبة الإمام (عليه السلام) عن أهله مجازا. واحترز به عن زمان ظهوره (عليه السلام) فإن الناس فيه
Bogga 416
مجتهد (1) وفرضه الأخذ بالاستدلال على كل فعل من أفعالها، ومقلد ويكفيه الأخذ عن المجتهد (2)
ثلاثة أصناف: من يمكنه الوصول إليه، وفرضه الأخذ عنه، ولا يسمى مجتهدا ولا مقلدا. ومن بعد عنه بحيث لا يمكنه الوصول إليه في وقت الصلاة مثلا، فيجب عليه الاجتهاد إن كان من أهله، وإلا فالتقليد لأهله؛ لأنه (عليه السلام) بالنسبة إليه بمنزلة الغائب.
واللام في (الرعية) عوض عن المضاف إليه، أي من رعية الإمام، واحترز به عن الإمام (عليه السلام)، فإنه أجل من أن يكون مجتهدا أو مقلدا كالنبي (صلى الله عليه وآله) عندنا.
قوله: «مجتهد». اسم فاعل من الاجتهاد، وهو لغة: استفراغ الوسع في أمر شاق (1).
وعرفا: استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي فرعي. ويستفاد من قوله: (وفرضه الأخذ بالاستدلال) عدم جواز تقليد مجتهد لآخر وإن كان أعلم منه، وهو الحق كما ذكر في الأصول. (2)
قوله: «ويكفيه الأخذ عن المجتهد». الأوفق للسياق كون اللام فيه للعهد، وهو المذكور قبله، وفيه إشارة إلى اشتراط حياة المجتهد في جواز الأخذ عنه. وأما كون اللام فيه للجنس، ففيه- مع عدم تماميته- عدم النكتة، إذا التنكير يؤدي معناه هنا، وأما الاستغراق فغير مراد.
ويستفاد من توحيد لفظ المجتهد اشتراط تقليد واحد في الواقعة المعينة، فمع تعدد المجتهدين يتعين تقليد الأعلم، فإن تساويا فالأورع، فإن تساويا فيهما تخير وإن كان الفرض بعيدا حتى قيل بعدمه أصلا.
ويعلم الأعلم بالتسامع والقرائن، لا بالبحث عن نفس العلم، إذ ليس على العامي ذلك. وقريب منه العلم بالمجتهد، فلا يجب على العامي- وهو المستفتي- العلم باجتهاد المفتي، بل يجب عليه تقليد من يغلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد والورع. ويحصل
Bogga 417
ولو بالواسطة أو وسائط (1) مع عدالة الجميع.
فمن لم يعتقد ما ذكرناه (2)، ولم يأخذ كما وصفناه، (3)
هذا الظن برؤيته منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق، واجتماع المسلمين على استفتائه والعمل بمقتضى قوله، وتحقيق ذلك كله في الأصول. (1)
قوله: «ولو بواسطة أو وسائط». فيه إشارة إلى عدم اشتراط مشافهة المجتهد وإن أمكنت، فيجوز الرجوع إلى من أخذ عنه وإن أمكن مشافهته.
وأراد ب (عدالة الجميع) المجتهد والوسائط، وذلك يستلزم العلم بالوسائط وعدالتهم وثبوتها شرعا، فلا يكفي التعويل على حسن الظن بمن أخذ عنه، وأنه لا يأخذ إلا عن عدل مع عدم العلم بعدالة الواسطة قطعا، هذا مع العلم بالاستناد إلى المجتهد.
أما ما يفعله بعض أهل زماننا من التقليد في أحكام لا يعلم استنادها إلى مجتهد، فلا يجوز العمل به بإجماع المسلمين قاطبة، وربما يترتب على اعتقاد بعضها دينا خطر عظيم في أصل الدين، نعوذ بالله من ذلك.
قوله: «فمن لم يعتقد ما ذكرناه». أي من المعارف المتقدمة الأصولية.
قوله: «ولم يأخذ كما وصفناه». أي بالاجتهاد إن كان من أهله، وإلا فبالتقليد لأهله.
Bogga 418
فلا صلاة له (1).
ثم الصلاة إما واجبة أو مندوبة، وبحثنا هنا في الواجبة، وأصنافها سبعة (2).
قوله: «فلا صلاة له». ليس المراد نفي الحقيقة؛ لوقوعها ممن ذكر، بل المراد نفي الصحة؛ لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة، فتعين (1) الحمل عليه حيث يتعذر الحمل على الحقيقة.
وأورد على هذا التقرير النقض بصلاة المخالف إذا استبصر، فإنه لا يجب قضاؤها، ولو كانت فاسدة لم يتم ذلك.
وأجاب المصنف بإمكان حمل النفي على المشترك بين نفي الكمال والصحة، وأقل أحوال استعمال المشترك في كلا معنييه أنه مجاز (2)، وإلا فقد قال جمع بجوازه حقيقة. (3)
قوله: «وأصنافها سبعة». حصر عدد الصلاة الواجبة في سبعة أجود من جعلها تسعة، كما صنعه العلامة (4) وغيره (5) بجعل (6) الكسوف والزلزلة والآيات ثلاثة أقسام، فإن الآيات تشمل الثلاثة، والكيفية أيضا متحدة، فجعلها قسما واحدا أولى.
وكذلك إدخال صلاة القضاء في باب الملتزم أجود من جعله من جملة اليومية؛ بناء على أن المراد بها الصلوات الخمس سواء صليت (7) في وقتها أم خارجه، فإن المؤدى
Bogga 419
اليومية، والجمعة، والعيدان، والآيات، والطواف، والأموات، والملتزم بالنذر وشبهه (1).
وما يتعلق بها قسمان: فرض، ونفل. والغرض هنا حصر الفرض، وللنفل رسالة منفردة.
منها هو اليومية قطعا، وما استدرك منها بعد وقته ليس عين الأول؛ لاستحالة إعادة المعدوم، وإنما هو فعل مثله كما سيأتي، وموجبه تأخير الصلاة عن وقتها لعذر أو غيره، فهو سبب من المكلف- وإن كان نسيانا- بنوع من التجوز، فتدخل في الملتزم، وسيأتي فيه مزيد بحث إن شاء الله تعالى.
وفي إدخال صلاة الجنازة في العدد (1) إشارة إلى كون إطلاق اسم الصلاة عليها بطريق الحقيقة لا المجاز، وفيه بحث، وكذا في إدخال صلاة الجمعة في العدد تنبيه على عدم كونها ظهرا مقصورة، وفي بعض الروايات دليل على كونها ظهرا مقصورة. (2)
قوله: «والملتزم بنذر (3) وشبهه». يريد هنا ب(شبهه) ما هو أعم من العهد واليمين، وهو كل ما وجب بسبب عارض؛ لتدخل فيه صلاة الاحتياط والتحمل والاستئجار والقضاء، وهو اصطلاح خاص.
Bogga 420