(بسم الله الرحمن الرحيم) [١] ــ «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» [٢] " بسم الله الرحمن الرحيم [٣] يقول العبد الفقير أحمد بن محمد الصاوي المالكي: الحمد لله الذي استخلص العلماء بعنايته وجميل لطفه من غياهب الجهالات، وجعلهم أمناء على خلقه يقومون بحفظ شريعته حتى يؤدوا إلى الخلق تلك الأمانات، فهم مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء، يستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان في البحر، ويحبهم أهل السماء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أستفتح بمددها أبواب العنايات. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد السادات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وشيعته وحزبه في كل الأوقات، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين نستمطر بهما غيوث السعادات. أما بعد: فإنه لما كان الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، خصوصًا علم الفقه العذب الزلال، المتكفل ببيان الحرام من الحلال، وقد كان مذهب مالك أهلًا وحقيقًا بذلك، كان أحسن ما ألف فيه من المختصرات متنًا وشرحًا مختصر شيخنا وشيخ مشايخنا شيخ الوقت والطريقة، ومعدن الشريعة والحقيقة، أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير العدوي مالك الصغير - الذي سماه أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك "؛ أمرني من لا تسعني مخالفته خليفته ووارث حاله أخونا في الله الشيخ صالح السباعي: أن أكتب عليه كتابة تناسبه في السهولة؛ فأجبته لذلك راجيًا الفتح من القادر المالك، وسميتها: بلغة السالك لأقرب المسالك " لينتفع بها إن شاء الله تعالى أمثالي من القاصرين، مشيرًا بحاشية الأصل لحاشية شيخنا وقدوتنا الشيخ محمد الدسوقي على شرح شيخنا المؤلف على مختصر العلامة أبي الضياء الشيخ خليل، وبالأصل لشرح المؤلف المذكور وشيخنا في مجموعه لمجموع شيخنا وقدوتنا أبي محمد محمد بن محمد الأمير، وبالحاشية لحاشية شيخ المشايخ على الإطلاق أبي الحسن علي بن أحمد الصعيدي العدوي على الخرشي. وأشير لباقي أهل المذهب كما أشارت أسلافنا للشيخ البناني بصورة (بن)، وللشيخ مصطفى الرماصي محشي التتائي بصورة (ر)، وللعلامة سيدي محمد الحطاب بصورة (ح)، وللشيخ عبد الباقي بصورة (عب)، وللعلامة الشيخ إبراهيم الشبرخيتي بصورة (شب)، وإن أسندت لغير هؤلاء صرحت به. وأسال الله التوفيق لكمالها والنفع بها كما نفع بأصلها وهو حسبي ونعم الوكيل. قوله: [بسم الله الرحمن الرحيم]: افتتح كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز والآثار النبوية والإجماع، لافتتاح الكتاب بها وقوله ﵊: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم - كما في رواية - فهو أبتر _________ [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة] [١] زاد بعدها في ط المعارف: (قال الإمام الدردير). [٢] زاد بعدها في ط المعارف: (حديث شريف). [٣] زاد بعدها في ط المعارف: (مقدمة صاحب الحاشية).

1 / 2

الحمد لله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وآله (أما بعد) فهذا شرح لطيف على كتابنا المسمى بأقرب المسالك لمذهب الإمام مالك، اقتصرت فيه على بيان معاني ألفاظه، ليسهل فهمه على المبتدئين، ــ أو أقطع أو أجذم» أي ناقص وقليل البركة. والباء: للاستعانة أو المصاحبة التبركية متعلقة بمحذوف تقديره أؤلف ونحوه، وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولى من أفتتح ونحوه، لإيهام قصر التبرك على الافتتاح فقط. والله: علم على الذات الواجب الوجود فيعم الصفات. والرحمن: المنعم بجلائل النعم كمية أو كيفية. والرحيم: المنعم بدقائقها كذلك. وقدم الأول وهو الله لدلالته على الذات، ثم الثاني لاختصاصه به ولأنه أبلغ من الثالث، فقدم عليه ليكون له كالتتمة والرديف. إذا علمت ذلك فينبغي تتميم الكلام عليها من الفن المشروع فيه فنقول: إن موضوع هذا الفن أفعال المكلفين لأنه يبحث فيه عنها من جهة ما يعرض لها من وجوب وندب وحرمة وكراهة وإباحة، ولا شك أن هذه الجملة فعل من الأفعال، وحينئذ فيقال إن حكم البسملة الأصلي الندب لأنها ذكر من الأذكار؛ والأصل في الأذكار أن تكون مندوبة، ويتأكد الندب في الإتيان بها في أوائل ذوات البال ولو شعرًا، كما انحط عليه كلام ح، وقولهم: الشعر لا يبتدأ بالبسملة، محله إذا اشتمل على مدح من لا يجوز مدحه أو ذم من لا يجوز ذمه، وقد تعرض لها الكراهة وذلك في صلاة الفريضة على المشهور من المذهب، وعند الأمور المكروهة كاستعمال ذي الروائح الكريهة، وتحرم إذا أتى بها الجنب على أنها من القرآن لا بقصد التحصن، وكذا تحرم عند الإتيان بالحرام على الأظهر، وقيل: بكراهتها في تلك الحالة، وارتضاه في الحاشية، وتحرم في ابتداء براءة عند ابن حجر، وقال الرملي: بالكراهة، وأما في أثنائها فتكره عند الأول وتندب عند الثاني. قال ح: ولم أر لأهل مذهبنا شيئًا في ذلك وليس لها حالة وجوب إلا بالنذر، فلا يقال: إن البسملة واجبة عند الذكاة مع الذكر والقدرة؛ لأننا نقول الواجب مطلق ذكر الله لا خصوص البسملة كما عليه المحققون. بقي شيء آخر وهو أنه هل تجب بالنذر ولو في صلاة الفريضة بمنزلة من نذر صوم رابع النحر، أو لا تجب؟ واستظهر اللزوم خصوصًا، وبعض العلماء من أهل المذهب يقول بوجوبها في الفريضة، وهذا إذا كان غير ملاحظ بالنذر الخروج من الخلاف، وإلا كانت واجبة قولًا واحدًا، والظاهر أنها لا تكون مباحة لأن أقل مراتبها أنها ذكر، وأقل أحكامه أنه مندوب، وقول الشيخ خليل: وجازت كمتعوذ بنفل يوهم ذلك وكذا قول الشاطبي: ولا بد منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خير من تلا فحملوا كلًا من الجواز والتخيير على عدم تأكد الطلب ونفي الكراهة، فلا ينافي أصل الندب، وأن الإنسان إذا قالها حصل له الثواب، وكون الإنسان يذكر الله ولا ثواب له بعيد جدًا. اهـ بتصرف من حاشية الأصل وشيخنا في مجموعه. قوله: [على أفضاله]: أي إحسانه لعباده في الدنيا والآخرة، وفيه رد على من يقول بوجوب الصلاح والأصلح. قوله: [شرح]: في الأصل مصدر إما بمعنى شارح أو ذو شرح، أو أطلق عليه بالمعنى المصدري مبالغة على حد ما قيل في زيد عدل، ومعناه موضح ومبين والإسناد له مجاز عقلي من الإسناد للسبب. قوله لطيف: يطلق اللطيف على صغير الحجم، وعلى رقيق القوام، وعلى الذي لا يحجب ما وراءه، والمراد منه هنا السهولة، فأطلق الملزوم وهو أحد المعاني الثلاثة وأراد لازمه وهو سهولة المأخذ. قوله: [على بيان معاني ألفاظه]: البيان: الإظهار، والمعاني جمع معنى: وهو ما يعنى ويقصد من اللفظ، وإضافة معاني للألفاظ من إضافة المدلول للدال، وإضافة الألفاظ للضمير من إضافة الجزء للكل، بناء على أن الكتاب اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة. قوله: [ليسهل فهمه]: اللام للتعليل علة لقوله اقتصرت، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها والفهم، الإدراك. قوله: [على المبتدئين]: جمع مبتدئ وهو الشارع في العلم الذي لم يقف على أصوله، فإن وقف على الأصول وعجز عن الأدلة يقال له: متوسط، فإن عرف الأصول والأدلة يقال: له منته،

1 / 3

وشرحه وقراءته لمن شاء بمشيئة رب العالمين، فأقول وبه أستعين: (يقول العبد الفقير المنكسر الفؤاد من التقصير أحمد بن محمد بن أحمد الدردير): القول اللفظ الدال على معنى وضع له ذلك اللفظ ولو في ثاني حال، فيشمل المجاز كأسد للرجل الشجاع، والعبد المراد به المملوك لله تعالى، والفقير: المحتاج إليه تعالى في جميع أحواله، والمنكسر: الحزين، والفؤاد: القلب، وإسناد الانكسار بمعنى الحزن إليه مجاز، وقوله: من التقصير علة لانكسار فؤاده، والمراد به: قلة العمل والتقوى؛ فهو كقول الشيخ - رضي الله تعالى عنه - المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى، وأحمد: بيان للعبد، والدردير: لقب اشتهر به كأبيه وجده بين الناس. وكان الوالد - رحمه الله تعالى - رجلًا صالحًا عالمًا متقنًا للقرآن، فقد بصره في آخرة [١] عمره، فاشتغل بتعليم الأطفال كتاب الله تعالى، فحفظ القرآن على يده خلق كثير، وكان يعلم الفقراء حسبة لله تعالى لا يأخذ منهم صرافة ولا غيرها، بل ربما واساهم من عنده، وكان كثير السكوت لا يتكلم إلا نادرًا، وورده - في غالب أوقاته صلاة سيدي عبد السلام بن مشيش -رضي الله تعالى عنه-، وكان يبشرني في صغري بأن أكون عالمًا. مات ﵀ شهيدًا بالطاعون سنة ثمان وثلاثين بعد الألف ومائة، ــ وإنما خص المبتدئين لأن غيرهم لا يتوقف فهمه عليه، بل يتعاطى أي كتاب شاء. قوله: [وشرحه]: بالرفع عطف على فهمه، ومتعلقه محذوف تقديره علي. قوله: [وقراءته]: بالرفع معطوف على فهمه أيضًا. وقوله: [لمن شاء] [٢]: متعلق بقراءته، وبمشيئته إلخ راجع للجميع، والمعنى اقتصرت في هذا الشرح على إظهار معاني ألفاظه لأجل سهولة فهمه على المبتدئين القاصرين، ولسهولة شرحه علي، ولسهولة قراءته لمن شاء أن يقرأه، وهذه السهولة تحصل بمشيئة رب العالمين. قوله: [فأقول]: جواب أما. قوله: [وبه أستعين] السين والتاء للطلب، وقدم المجرور ليفيد الحصر. قوله: [يقول]: أصله يقول استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى ما قبلها. قوله: [العبد]: يطلق على معان مشهورة اقتصر الشارح فيما سيأتي على أحدها. قوله: [اللفظ الدال]: احترز به عن اللفظ المهمل كديز مثلًا فلا يقال له قول، ويطلق القول على الرأي والاعتقاد، كما يقال قال أبو حنيفة: كذا أي رأى واعتقد. قوله: [وضع له ذلك اللفظ]: دخل المعنى المطابقي والتضمني، وخرج المعنى الالتزامي، كعلمنا بحياة المتكلم من وراء جدار، فليس موضوعًا له اللفظ. قوله: [فيشمل المجاز]: مفرع على قوله ولو في ثاني حال، ووجه ذلك: أن الحقيقة موضوعة وضعًا أوليًا، أي كلمة استعملت فيما وضعت له من أول الأمر، والمجاز موضوع وضعًا ثانويًا لأنه كلمة استعملت في غير ما وضعت له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي: كأسد فإنه في الأصل موضوع للحيوان المفترس، ثم تستعمله في الرجل الشجاع، فتقول: رأيت أسدًا في الحمام مثلًا، فكل من المجاز والحقيقة موضوع وضعًا لغويًا، لكن الحقيقة وضعها أصلي لا يحتاج لقرينة ولا لعلاقة، والمجاز وضعه عرضي يحتاج لعلاقة وقرينة. قوله: [المراد به المملوك لله تعالى]: إنما اقتصر على ذلك المعنى لشموله وعمومه قال تعالى: ﴿إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا﴾ [مريم: ٩٣]، أي مملوكًا وهو المسمى بعبد الإيجاد. قوله [٣]: [المحتاج إليه تعالى إلخ]: هذا التفسير يصلح لكون الفقير صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، ولا يخلو عبد منهما دنيا ولا أخرى، ولو وكلنا مولانا طرفة عين لأنفسنا لهلكنا. قوله: [المنكسر الحزين]: يشير بذلك إلى أن في كلام المصنف استعارة تبعية، حيث شبه حزن القلب بالانكسار الذي هو تفرق أجزاء الشيء الصلب بجامع التلف والتشتت في كل، واستعار اسم المشبه به للمشبه، واشتق منه منكسر بمعنى حزين، والقرينة إضافته للفؤاد. قوله: [مجاز]: أي عقلي من إسناد ما للكل للبعض الذي هو الفؤاد، وإنما خص الفؤاد دون سائر الأعضاء لأنه محله، ولذلك قال علماء البيان: إذا أسند ما للكل للجزء لا بد أن يكون لذلك الجزء مزية تميزه، إذا علمت ما تقدم من الاستعارة، وما هنا من المجاز العقلي، ففي كلامه مجاز على مجاز. قوله: (علة لانكسار فؤاده): أي حزنه إنما جاء من رؤية التقصير في حقوق الله، وهذا سنة العارفين بربهم لا يرون لأنفسهم عملًا، كما قال السيد البكري: إلهي إني أخاف أن تعذبني بأفضل أعمالي. قوله: [كقول الشيخ إلخ]: المراد به الشيخ خليل. قوله: [بيان] أي عطف بيان، ويصح أن يكون بدلًا لأن نعت المعرفة إذا تقدم عليها يعرب بحسب العوامل، وتعرب منه بدلًا أو عطف بيان، بخلاف نعت النكرة إذا تقدم عليها فيعرب حالًا، وتعرب هي على ما كانت عليه كقول الشاعر: لمية موحشًا طلل قوله: [في غالب أوقاته]: وهي الأوقات التي لم يكن مشغولًا فيها بالقرآن. قوله: [عبد السلام إلخ]: هو شيخ أبي الحسن الشاذلي، وناهيك بشيخ، الشاذلي تلميذه، ومشيش -بشينين معجمتين وأوله ميم أو باء موحدة - وأخبرنا الأستاذ الشارح عن والده المذكور، أن زوجته كانت تدخل عليه فتجد عنده شموعًا موقدة في أوقات الظلام، فتسأله عن ذلك فيقول: إنها أنوار الصلاة على النبي ﷺ، وأخبرنا أيضًا أنهم كانوا في ضيق عيش فتوضع الصحفة فيها الطعام القليل بين يديه، فيقرأ عليها سورة قريش، فيبارك فيها ويأكل منها الناس الكثيرون. قال الشيخ فصرت أقرأ _________ [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة] [١] في ط المعارف: (آخر). [٢] زاد بعدها في ط المعارف: (لمن شاء). [٣] ليست في ط المعارف.

1 / 4

وعمري نحو عشر سنين، وشوهدت له كرامات. (الحمد لله مُولي النعم والشكر له على ما خص منها وعم) الحمد هو الوصف بالجميل اختياريًّا أم لا فعلًا أم لا على فعل جميل اختياري، والشكر ما دل على تعظيم المنعم لإنعامه من قول أو فعل أو اعتقاد، وشكر المنعم واجب بالشرع، ــ تلك السورة على الأبواب المغلقة فتفتح [١] بغير مفتاح، فشاع عني - وأنا صغير - أني أفتح الأبواب بغير مفتاح. قوله: [وعمري نحو عشر سنين]: فيكون مولد الشيخ سنة ثمان وعشرين ومائة، وكانت وفاته ليلة الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول سنة مائتين وواحد بعد الألف؛ فسنه ثلاث وسبعون سنة، ودفن بمشهده المشهور بالكعكيين، وكراماته في الحياة وبعد الممات أظهر من الشمس في رابعة النهار. وأقول كما قال بعض العارفين: لي سادة من عزهم ... أقدامهم فوق الجباه إن لم أكن منهم فلي ... في حبهم عز وجاه قوله: [وشوهدت له كرامات]: قد تقدم لك بعضها. قوله: [الحمد لله]: لما افتتح بالبسملة افتتاحًا حقيقيًا افتتح بالحمد له افتتاحًا إضافيًا، وهو ما تقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعًا بين حديثي البسملة والحمدلة، وحمل البسملة على الابتداء الحقيقي، والحمدلة على الابتداء الإضافي لموافقة القرآن العزيز، ولقوة حديث البسملة على حديث الحمدلة، وهو قوله ﷺ: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم»، وهناك أوجه أخر مشهورة لدفع التعارض. وجملة الحمد لله إلى آخر الكتاب مقول القول في محل نصب لأن القول لا ينصب إلا الجمل أو المفرد الذي في معنى الجملة، أو المفرد الذي قصد لفظه ما لم يجر مجرى الظن، فينصب المفردات كما هو معلوم من قول ابن مالك: وكتظن اجعل تقول إن ولي ... مستفهمًا به ولم ينفصل إلى أن قال: وأجري القول كظن مطلقا ... عند سليم نحو قل ذا مشفقا وأل فيه قيل للجنس وقيل للاستغراق وقيل للعهد وهو حمد المولى نفسه بنفسه أزلًا، لأنه لما علم عجز خلقه عن أداء كنه حمده حمد نفسه بنفسه أزلًا، ثم أمرهم أن يحمدوه بذلك الحمد، واللام في لله قيل للملك أو للاستحقاق أو للتعليل، فعلى الأول معناه جميع المحامد مملوكة لله، وعلى الثاني مستحقة لله، وعلى الثالث ثابتة لأجله، وجملة الحمد خبرية لفظًا إنشائية معنى، وكانت اسمية للدلالة على الثبوت والدوام واقتداء بالكتاب العزيز، وأصل الحمد لله أحمد حمد الله فحذف الفعل لدلالة المصدر عليه فبقي حمد الله، ثم عدل من النصب إلى الرفع لدلالة الثبوت والدوام، فصار حمد لله، ثم أدخلت الألف واللام لقصد الاستغراق أو الجنس أو العهد كما تقدم. قال الفاكهاني في شرح الرسالة: ويستحب الابتداء بها لكل مصنف ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج ومزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة، وكذا الصلاة على رسول الله ﷺ اهـ باختصار. قوله: [هو الوصف إلخ]: شروع في معنى الحمد والشكر اللغويين، ولم يتعرض لمعناهما الاصطلاحيين، ومعلوم أن الحمد الاصطلاحي هو الشكر اللغوي، والشكر الاصطلاحي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، وإنما اقتصر الشارح على المعنى اللغوي في كل لأنه الذي يحمل عليه الشرع إذ لم يكن له اصطلاح خاص، وأما قولهم الحمد اصطلاحًا والشكر اصطلاحًا، فالمراد اصطلاح الناس لا اصطلاح الشرع، فإنه موافق للمعنى اللغوي في كل، ومعنى الوصف الذكر وهذا التعريف سالم من جميع ما يرد على التعريف المشهور، لأن قوله الوصف بالجميل يشمل أقسام الحمد الأربعة المشهورة، وظهر من هذا التعريف أن مورد الحمد خاص ومتعلقه عام، ومورد الشكر عام، ومتعلقه خاص لتقييده بقوله لإنعامه، والنسب بين المعاني الأربعة معلومة. قوله: [اختياريًا أم لا إلخ]: تعميم في المحمود به إشارة إلى أنه لا يشترط أن يكون اختياريًا، وقوله على فعل جميل اختياري هو المحمود عليه، وفيه إشارة إلى أنه يشترط أن يكون اختياريًا اهـ من تقرير الشارح. قوله: [واجب بالشرع]: أي لا بالعقل خلافًا للمعتزلة الذين حكموا العقل في الحسن والقبح، بل الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، ومعنى كونه واجبًا أنه يتحتم على كل مكلف اعتقاد أن كل نعمة ظهرت في الدنيا والآخرة فهي منه تعالى، بل هذا _________ [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة] [١] في ط المعارف: (فتفتتح).

1 / 5

والمولي بكسر اللام: المعطي، والنعم جمع نعمة بكسر النون بمعنى العطية الملائمة، وقوله منها بيان لما والضمير عائد على النعم، فالمعنى على نعم خصها بنا أي قصرها علينا معاشر الأمة المحمدية من الإيمان بمحمد ﷺ، ومعرفة كثير من الأحكام التي جاء بها، وكذا النعم المخصوصة بالشخص في ذاته كشكله ولونه وصورته التي يتميز بها عن غيره في جميع أحواله، فإنها من أعظم النعم. وقوله وعم أي النعم التي تشملنا وغيرنا كنعمة الوجود الشاملة لكل موجود، ونعمة العقل والعلم والسمع والبصر، وغير ذلك. ويشمل ذلك كله قول الشيخ والشكر له على ما أولانا من الفضل والكرم، وإنما جعلنا المعنى على النعم التي خصها بنا ولم نجعله على النعم التي خصنا بها ليكون العائد المحذوف ضمير نصب متصلًا، وهو شائع لا شذوذ فيه بخلاف التقدير الثاني. (والصلاة والسلام على النبي الأعظم وعلى آله وأصحابه وأمته أشرف الأمم) هذه جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى قصد بها طلب الصلاة والسلام على أعظم الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وهو سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ﷺ، فإنه أفضل الأنبياء إجماعًا، وأمته جماعته وهم من آمن به إلى يوم القيامة وكانوا أشرف الأمم لأنهم أتباعه. والتابع يشرف بشرف المتبوع (وصل اللهم على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين) يجوز عطف الفعلية الإنشائية على الاسمية كذلك، وهذه الجملة أعم متعلقًا مما قبلها لشمولها النبي وآله وأصحابه؛ ــ من عقائد الإيمان، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو كافر، وأما شكر الأعضاء الظاهرية فتارة تكون واجبة وتارة تكون مندوبة على حسب ما أمر الشارع كما هو معلوم من الشرع. قوله: [بكسر اللام]: أي مع ضم الميم اسم فاعل، وأما بفتحهما فهو المالك أو المعتق أو الصاحب أو القريب، وأما بضم الميم وفتح اللام فهو المعطى اسم مفعول. قوله: [بكسر النون]: وأما بضمها فالفرح والسرور وبفتحها التنعم. قال تعالى: ﴿ونعمة كانوا فيها فاكهين﴾ [الدخان: ٢٧]. قوله: [الملائمة]: أي الموافقة لتمني النفس، ولم يقل تحمد عاقبتها شرعًا لأجل شموله نعم الكفار الدنيوية، فإن الكفار منعم عليهم في الدنيا. والحاصل أنهم اختلفوا في تعريف النعمة، فقال بعضهم هي كل ملائم تحمد عاقبته شرعًا، ومن ثم لا نعمة لله على كافر، وقال بعضهم: كل ملائم، فالكافر منعم عليه في الدنيا وإن لم تحمد عواقب تلك النعم، واقتصار الشارح يؤيد الثاني. قوله: [خصها بنا]: الباء داخلة على المقصور عليه، وهذا خلاف الغالب كما قال الأجهوري: وباء الاختصاص فيه يكثر ... دخولها على الذي قد قصروا وعكسه مستعمل وجيد ... قد قاله الحبر الهمام السيد قوله: [أي قصرها علينا]: أي ولسنا مقصورين عليها. قوله: [كشكله ولونه إلخ]: قال تعالى: ﴿ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾ [الروم: ٢٢]. قوله: [ليكون العائد إلخ]: أي لقول ابن مالك: والحذف عندهم كثير منجلي ... في عائد متصل إن انتصب إلخ قوله: [بخلاف التقدير]: أي ففي حذف العائد شذوذ لعدم استيفائه الشروط التي قال فيها ابن مالك: كذاك حذف ما بوصف خفضا إلخ إذا علمت ذلك فظاهر كلام الشارح أن المعنى واحد، وإنما التخالف في شذوذ حذف العائد وعدمه وهو كذلك، غير أن الباء على الوجه الذي تركه الشارح تكون داخلة على المقصور على مقتضى الكثير فيها، وإنما تركه لما قاله تأمل. قوله: [والصلاة إلخ]: لما أثنى على الله ﷾ وشكره على نعمه أداء لبعض ما يجب إجمالًا، وكان ﷺ هو الواسطة بين الله وبين العباد، وجميع النعم الواصلة إليهم التي أعظمها الهداية للإسلام إنما هي ببركته وعلى يديه، أتبع ذلك بالصلاة والسلام عليه ﷺ أداء لبعض ما يجب له ﷺ، وامتثالًا لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ [الأحزاب: ٥٦]، وعملًا بقوله ﵊: «كل كلام لا يذكر الله فيه فيبدأ به وبالصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة»، والصلاة من الله رحمته المقرونة بالتعظيم، ومن العبيد طلبهم ذلك، والسلام من الله الأمان أو التحية، بأن يحيي الله نبيه بكلامه القديم، كما يحيي أحدنا ضيفه، ومن العبيد طلب ذلك. قوله: [على النبي الأعظم]: أي من كل عظيم. قوله: [إنشائية معنى]: أي ولا يصح أن تكون خبرية لفظًا أو معنى خلافًا لما مشى عليه يس. قوله: [والتابع يشرف بشرف المتبوع]: لما ذكروه في الخصائص عند قول البوصيري: ولك الأمة التي غبطتها ... بك لما أتيتها الأنبياء إن الله جمع في نبينا جميع ما تفرق في الأنبياء من الكمالات، وجمع في أمته جميع ما تفرق في الأمم

1 / 6

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.