ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب تذكيرا، فكشف لهم قناع الانغلاق عن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هن رموز الخطاب تأويلا وتفسيرا، قوله: (ليدبروا) أي ليتدبروا أو يتفكروا في آياته تفكرا يفضي إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من المعاني اللطيفة المستنبطة بالتأويلات الصحيحة، واللام فيه متعلقة بنزل أو بين والتذكر إما بمعنى الاتعاظ أو استحضار ما هو كالمركوز في العقول لفرط التمكن من معرفته بما نصب من الدلائل الدالة عليه، والإلباب جمع لب وهو العقل خص العقلاء بالتذكر لأن غيرهم من المتدبرين لا ينتفعون بها. وقوله: «تذكيرا» مصدر من غيره لفظ فعله كقوله تعالى: وتبتل إليه تبتيلا أو حال بمعنى مذكرين فإن العالم كما يجب عليه العمل بموجب علمه يجب عليه أيضا إعلام غيره. قوله: (فكشف) عطف على قوله بين على طريق عطف تفصيل المجمل على المجمل كما في قوله تعالى: ونادى نوح ربه فقال [هود: 45] والقناع ما تستر به المرأة رأسها وهو أوسع من المقنعة، والانغلاق انسداد الباب وإضافة القناع إليه من قبيل أضافة المشبه به إلى المشبه كلجين الماء أي ماء كالفضة في البياض والصفاء شبه الآيات القرآنية تارة بالنفائس المخزونة وأخرى بالعرائس المحتجبة على طريق الاستعارة بالكناية وأثبت لها في الأولى الانغلاق وفي الثانية القناع على طريق التخييل، ففيه استعارتان مكنيتان واستعارتان تخييليتان فإن قيل: إذا اتضح معاني المحكمات ولم يبق فيها احتمال آخر ولا يوجد فيها انغلاق فكيف يستقيم قوله فكشف قناع الانغلاق عن آيات محكمات؟ أجيب بأن الاحتمال المنفي عن المحكمات هو الاحتمال الناشىء عن الدليل وانتفاؤه لا ينافي ثبوت مطلق الاحتمال، ولو سلم أن المنفي هو مطلق الاحتمال فالمراد بالكشف المتعلق بالمحكمات إنزالها مكشوفة مبينة كما يقال: ضيق فم الركية أي اجعله ضيقا من أول الأمر. والرمز في الأصل مصدره ومعناه الإشارة بالشفتين أو الحاجب وهو ههنا اسم بمعنى الرامز مطلقا ولذلك جمع ولو بقي على أصل المصدرية لما جمع، والخطاب في الأصل توجيه الكلام نحو الحاضر وأريد به ههنا الكلام الموجه للإفهام مطلقا والظاهر أن إضافة الرموز إليه من إضافة الجزء إلى الكل كيد زيد أو من أضافة الجزئي إلى الكلي كخاتم فضة، والمعنى هن رامزات من الخطاب إلى المراد منها رمزا خفيا على أن تكون كلمة «من» في قولنا من الخطاب للتبعيض على تقدير أن تكون إضافة الرموز من قبيل إضافة الجزء إلى الكل، وعلى تقدير أن تكون من قبيل إضافة الجزئي إلى الكلي تكون من للتبيين. وصف المحكمات بأنهم أم الكتاب أي أصله لكونها في أنفسها متضحة المعاني ويرجع إليها في تأويل المتشابهات وبيان المراد منها، ووصف المتشابهات بأنهن رموز الخطاب على طريق رجل عدل. قوله : (تأويلا وتفسيرا) حالان من فاعل كشف بمعنى مؤولا ومفسرا. والتأويل
Bogga 13