المعنى فإنه فهم منهما أن الحمد أخص مطلقا من المدح فعطف على هذا المفهوم ما قيل من أنهما أخوان أي مترادفان فإن المراد بأخوتهما ترادفهما كما صرح به الشريف المحقق رحمه الله. ويدل عليه ما ذكره صاحب الكشاف في الفائق من قوله: الحمد هو المدح والوصف بالجميل. والظاهر أن ترادفهما مبني على أن لا يعتبر في الجميل المحمود عليه كونه اختياريا كما لم يعتبر ذلك في الجميل الممدوح عليه، إلا أن التحرير التفتازاني رحمه الله ذكر في حاشيته على الكشاف أن الزمخشري أراد بأخوتهما تلاقيهما في الاشتقاق الكبير لا الترادف بناء على أنه شاع في كتبه أن المراد بكون اللفظين أخوين أن يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كالحمد والمدح والجذب والجبذ أو أكبر بأن يشتركا في أكثر الحروف فقط كالفلق والفلج والفلذ مع اتحاد في المعنى كما بين الأولين فإن معناهما الشق أو تناسب كما بين أحد الأولين، والثالث، فإن الفلذ بمعنى القطع وهو يناسب الشق فظهر أن قوله الحمد والمدح أخوان لا يتعين أن يكون مراده به كونهما مترادفين لكن سوق كلامه ههنا وصريح كلام الفائق يدلان على إرادة ترادفهما. ويدل عليه أيضا قول المصنف فيما بعد «والذم نقيض الحمد» مع أن المشهور أن الذم نقيض المدح ووجه دلالته على ذلك أن الحمد والمدح لو لم يكونا مترادفين لما كان نقيض أحدهما نقيضا للآخر.
قوله: (والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا) العطف بالواو يشعر بأن المراد بالشكر المعرف ههنا هو الشكر الاصطلاحي وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به وأولاه إلى ما خلق لأجله والشكر بهذا المعنى مجموع مركب من مجموع الأفعال الواردة من الموارد الثلاثة التي هي اللسان والقلب وسائر الجوارح، فيكون ما صدر من أحد هذه الموارد جزءا من حقيقة الشكر لا جزئيا لها لعدم صدق المجموع المركب على شيء من أجزائه. إلا أن ما فرعه على هذا التعريف وهو قوله: «فهو أعم منهما من وجه وأخص من وجه آخر» يقتضي أن يكون المراد بالشكر المعرف الشكر اللغوي المعرف بأنه فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما وهذا التعريف يصدق على كل واحد من فعل اللسان وفعل القلب وفعل سائر الجوارح، فيكون كل واحد منهما جزئيا من جزئيات الشكر اللغوي، وإنما قلنا إنه يقتضي ذلك لأن العموم والخصوص المذكور يقتضي التصادق من الطرفين والشكر بمعنى المجموع المركب لا يصدق على الحمد الذي هو فعل اللسان وحده فوجب أن تكون الواو العاطفة في قوله: «وعملا واعتقادا» بمعنى أو العاطفة مثلها في قولهم: الكلمة اسم وفعل وحرف لا مثلها في قولهم: السكنجبيل خل وعسل، فيكون الثناء باللسان بمقابلة الإنعام مادة لاجتماع الحمد والشكر اللغويين يصدق كل واحد منهما عليه صدق الكلي على جزئياته، ويكون الثناء
Bogga 62