Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Noocyada
منه التقوى لترجح أمره باجتماع أسبابه وكثرة الدواعي إليه. وغلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادتهم جميعا. وقيل: تعليل للخلق أي خلقكم لكي تتقوا كما قال: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56] وهو ضعيف إذ لم يثبت في اللغة مثله والآية تدل على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانيته الترجي إلا أن الترجي ليس من المتكلم ولا من الخاطب بل هو من غيرهما كما في قوله تعالى: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك [هود: 12] والمعنى أنه تعالى خلقكم ومن قبلكم ، والحال أن من شأنكم وشأنهم أن يرجو منكم ومنهم التقوى كل من يتأتى منه الرجاء والتوقع. وهذا المعنى لا يستلزم تشبيهه تعالى بالمرتجى ولا تعيين الراجي من هو. قوله:
(وغلب المخاطبين على الغائبين) إشارة إلى جواب سؤال يرد على الاحتمال الثاني وهو: أن يكون «لعل» متعلقا «بخلقكم» بأن يكون حالا من مفعوله وما عطف عليه، وتقريره أنه تعالى كما خلق المخاطبين حال كونهم في صورة من يرجى منه التقوى فكذا خلق الذين من قبلهم ومن سيوجد بعدهم إلى قيام الساعة في حال كونهم في الصورة المذكورة فلم قصر الكون في تلك الصورة على المخاطبين حيث قال: لعلكم تتقون ولم يقل: لعلكم وإياهم كائنون من أهل التقوى؟ وتقرير الجواب أن مبنى الكلام على التغليب حيث أطلق اللفظ الموضوع للمخاطبين عليهم وعلى الغائبين، والمعنى على إرادتهم جميعا لا على إرادة المخاطبين فقط. قوله: (وقيل: تعليل للخلق) عطف على قوله: «حال من الضمير أو من مفعول خلقكم» يعني أن بعض أهل العربية قالوا: إن «لعل» قد تكون بمعنى «كي» حتى حملوا عليه كل صورة امتنع فيها الحمل على الترجي وهو ضعيف لأنهم إن أرادوا أنه حقيقة في معنى «كي» فلا بد من النقل عن أئمة اللغة ولم ينقل، فإن جمهور أئمة اللغة اقتصروا في بيان معناه الحقيقي على الترجي والإشفاق. وإن أرادوا أنه مجاز فيه فلا ينبغي أن يصار إليه إلا إذا تعذر الحمل على أصل معناه ولم يتعذر. قوله: (والآية تدل على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى) أي التصديق بوجوده وإلى العلم بوحدانيته واستحقاقه العبادة هو النظر في صنعه. وقوله: «والاستدلال بأفعاله» الظاهر أنه عطف تفسيري لقوله: «النظر في صنعه».
واعلم أن الله تعالى لما أمر بعبادة الرب الموصوف بالصفات المذكورة ثبت وجوب عبادته وهو يتوقف على التصديق بوجوده لاستحالة العبادة للمعدوم، وعلى التصديق بوحدانيته لأن العلم بوجوب عبادة الرب المخصوص المتعين في ذاته لا يتصور بدون التصديق بوحدانيته ويتوقف أيضا على التصديق باستحقاقه للعبادة وهو ظاهر. وإيجاب الشيء والأمر به إيجاب وأمر لما يتوقف ذلك الشيء عليه، كالأمر بالصلاة فإنه أمر بتقدم الطهارة، فيكون كل واحد من التصديقات الثلاثة المذكورة واجبا. ولما لم تكن تلك التصديقات ضرورية حاصلة بدون
Bogga 374