Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Noocyada
تعظيما لشأنهم وترغيبا لأمثالهم، والإنزال نقل الشيء من الأعلى إلى الأسفل وهو إنما يلحق المعاني بتوسط لحوقه الذوات الحاملة لها. ولعل نزول الكتب الإلهية على الرسل بأن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به عاما شاملا لهم ولمن آمنوا عن الشرك كمؤمني العرب ، ويكون عطف الموصول الثاني على الأولين من قبيل عطف جبريل وميكائيل على الملائكة تشريفا لهم وتعظيما من حيث إنهم جمعوا بين الإيمانين أصالة أعني الإيمان بالقرآن والإيمان بسائر الكتب المنزلة، بخلاف من آمن بالكتاب المصدق لما تقدمه وترغيبا لغيرهم ممن آمن بالكتب السابقة دون القرآن في أن يؤمنوا بالقرآن أيضا كما مر من إيمان مؤمني أهل الكتاب بهما جميعا فيستحقوا ما استحق هؤلاء من المدح والثناء. ووجه كون الموصول الثاني طائفة من الذين يؤمنون بالغيب مع أن ما آمنوا به هو الذي يكون سبيل إدراكه السمع دون العقل فكيف يكون إيمانهم إيمانا بالغيب، إن المراد بالغيب في الآية المذكورة ما لا يكون مدركا بالحس ولا ببديهة العقل بل يكون حكما استدلالا مدركا بما نصب عليه من الدليل. فإن قيل: على تقدير أن يكون المراد بالغيب الأحكام والتصديقات الاستدلالية يكون معنى قوله تعالى: يؤمنون بالغيب يصدقون بالتصديقات المكتسبة بما نصب عليه من الدليل فما معنى التصديق بالتصديق؟ قلنا: مبنى الكلام على تضمين الإيمان معنى الإقرار والاعتراف كأنه قيل: يؤمنون مقرين معترفين بالغيب أي بجميع الأحكام الاستدلالية التي علم كونها من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملتها الحكم بحقية الكتب المنزلة فإنه حكم استدلالي، فيكون غيبا ولا ينافيه كون بعض أطرافه مدركا بالسمع. ورجح الوجه الأول على الثاني بقرب المعطوف عليه وبأن اتصاف مؤمني أهل الكتاب بالتقوى ظاهر فلا وجه لإخراجهم عنها، وعلى الوجهين الأخيرين بتحقق التغاير الذاتي بين المعطوفين على ذلك الوجه دونهما، ورجح الوجه الثالث على الرابع بأن الحمل على عطف الخاص على العام غير مناسب للمقام لأن سوق الكلام لمدح القرآن بكونه هدى وكونه للمتقين أدل على كماله في باب الهداية من كونه هدى لأهل الكتاب ولو كان من عطف الخاص على العام لوجب أن يكون الأمر بالعكس من ذلك.
قوله: (وهو إنما يلحق المعاني بتوسط لحوقه الذوات الحاملة لها) جواب عما يقال من أن النقل والتحريك إنما يلحق الجواهر المتحيزة بالذات كالجوهر الفرد وما يتركب منها فإنها كما تقبل التحيز بالذات تقبل الانتقال من أحيازها أيضا بخلاف المعاني والأعراض القائمة بالموضوعات أي التابعة لها في التحيز، فإنها إذا لم تتحيز بذواتها كيف تقبل الانتقال عن أحيازها؟ وتقرير الجواب أنه لا يلزم من عدم تحيزها بذواتها أن لا تقبل الحركة والانتقال أصلا فإن اللازم من عدم تحيزها بالذات أن لا تقبل الحركة الذاتية ولما تحيزت تبعا
Bogga 197