Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Noocyada
والتحريض على الإنفاق والذم لتحريم ما لم يحرم، واختصاص ما رزقناهم بالحلال للقرينة وتمسكوا لشمول الرزق له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن قرة:
«لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من ضعف اليقين وتوهم أن الإنفاق يورث الفقر ويحوجه إلى الغير وأن سعة المعاش وضيقه مفوضان إلى اختياره وتدبيره فإذا علم أن الأمور كلها بيد الله وأن خالق العباد ورازقهم ليس إلا هو وأن ليس للإنسان إلا طاعة ربه والانتداب إلى ما ندب إليه فحينئذ زال عنه خوف الفقر وحصل الإقدام على الإنفاق. قوله: (والذم لتحريم ما لم يحرم) جواب عن الوجه الأخير، وتقريره أن مبنى الذم المذكور ليس أنهم حرموا بعض الرزق مع أنه اسم للحلال المطلق بل مبناه تحريمهم ما لم يحرمه الله تعالى فإن فيه نصب أنفسهم منصب شارع الأحكام، وأما حكم المجتهد بتحريم ما لم يرد فيه النص فإنما هو الاستنباط من النص أو الإجماع النازل منزلته. قوله: (واختصاص ما رزقناهم بالحلال للقرينة) جواب عما يقال من طرف المعتزلة من أنكم اعترفتم بما ادعيناه وتمسكتم بما تمسكنا به حيث قلتم إن المراد بالرزق في هذه الآية هو الحلال فما وجه المخالفة بعده؟ وتقرير الجواب أنا إنما وافقناكم في تخصيص الرزق بالحلال فيما وجدت فيه قرينة تخصصه به ولا يلزم منه الوفاق على الإطلاق وتلك القرينة أن الآية مسوقة لمدح المتقين بإنفاقهم لما رزقهم الله، والمدح إنما يكون بالإنفاق من الحلال وأن الاتصاف بالتقوى يقتضيه أيضا وأن الإسناد إلى الله تعالى عند الإطلاق ينصرف إلى ما هو أفضل وأكمل من جملة ما هو مسند إليه سبحانه وتعالى، مثلا إذا قيل: خلق الله تعالى الحوادث ينصرف إلى نحو السموات والأرض وإن كان نحو الكلاب والخنازير من جملة ما خلقه الله تعالى. واعلم أنه لا نزاع بين أصحابنا في أن المراد بما رزقناهم هو الحلال وإنما النزاع في أن حمله على الحلال لأي سبب، فإن أهل السنة حملوه عليه بقرينة المدح والاتصاف بالتقوى لأنهما لا يحصلان إلا بالإنفاق من الحلال وبالإسناد إليه سبحانه تعالى، والمعتزلة استدلوا عليه بإطلاق لفظ الرزق وبالإسناد إليه تعالى لأنهم لا يسمون الحرام رزقا ولا يسندون القبائح إليه تعالى.
قوله: (وتمسكوا) أي وتمسك أصحابنا لشمول الرزق للحرام بالدليل النقلي والعقلي.
أما الأول فما روي عن صفوان بن أمية أنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء عمرو بن قرة فقال: يا رسول الله إن الله تعالى كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا أذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت أي عدو الله والله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله؛ أما إنك لو قلت بعد هذه المقدمة ضربتك ضربا وجيعا». فإن قوله عليه السلام: «ما
Bogga 189