Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Noocyada
جعلته حالا على تقدير ملتبسين بالغيب كان بمعنى الغيبة والخفاء. والمعنى أنهم يؤمنون غائبين عنكم لا كالمنافقين الذين إذا لقوا للذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن [البقرة: 14]. أو عن المؤمن به لما روي أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ هذه الآية. وقيل: المراد بالغيب القلب لأنه مستور، والمعنى يؤمنون بقلوبهم لا كمن يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فالباء على الأول للتعدية وعلى الثاني للمصاحبة وعلى الثالث للآلة.
والاعتراف، أو يجعل مجازا عن الوثوق وتكون الغيبة صفة للمؤمن به لا للمؤمن أي يؤمنون بما هو غائب عنهم، وأما إذا جعل حالا من فاعله فلا يحتاج إلى اعتبار التضمين ولا إلى ارتكاب المجاز بل يكون الإيمان بمعنى التصديق ويكون المؤمن به محذوفا للتعميم ويكون الغيب مصدرا بمعنى الغيبة والباء فيه للمصاحبة، والغيبة صفة للمؤمنين أي يؤمنون في حال غيبتهم عنكم كما يؤمنون بحضرتكم لا كالذين نافقوا. قوله: (أو عن المؤمن به) عطف على قوله: «عنكم» ومعنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه أنه: ما آمن أحد إيمانا أفضل من إيمان ملتبس بغيب من المؤمن به وإنه نص، كما استشهد على دعواه بالآية على ذلك إذ جعل الباء فيها للملابسة لا للتعدية، لما روي أن أصحاب ابن مسعود ذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن أمر محمد كان بينا لمن رآه فقال: والذي لا إله إلا هو الخ يريد أنه لا عجب في إيمانهم لأنهم شاهدوا من معجزاته ما يتعول بسببها أنه نبي مبعوث رحمة للعالمين، بل العجب في إيمان من آمن به ولم ير شيئا من المعجزات فإيمانه أشد اعتبارا وأفضل من إيمان من شهده. فعلى تقدير كون قوله: «بالغيب» حالا تكون الآية في حق غير الصحابة لأن الصحابة شاهدوا بعض ما يجب الإيمان به وهو النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح أن يقال في حقهم إنهم يؤمنون غائبين عن المؤمن به كما إذا جعل صلة للإيمان كذا قيل، والظاهر أن ما يجب الإيمان به ليس هو جسمه المطهر وجسده المنور بل حقيقة أمر نبوته وهو غيب في حق جميع الأمة غاية ما في الباب أن ما شاهده الصحابة رضي الله عنهم من المعجزات أكثر مما شاهده من بعدهم وأن ابن مسعود رضي الله عنه جعل مشاهدة دلائل النبوة بمنزلة مشاهدة نفس المدلول فلذلك جعل إيمان الصحابة إيمانا بالمشاهدة. وهذا الكلام من ابن مسعود رضي الله عنه تسلية لأصحابه من التابعين الذين تحزنوا بعدم بلوغهم في كمال الإيمان درجة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فكلامه كلام ادعائي لا تحقيقي. قوله: (وقيل: المراد بالغيب القلب) لأنه مخفي ومستور عن الحس فلا حاجة إلى اعتبار التضمين وارتكاب المجاز ويكون المؤمن به محذوفا للتعميم والباء للآلة.
Bogga 181