174

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Noocyada

أو فيعل خفف كقيل والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحس ولا يقتضيه بديهة العقل.

وهو قسمان: قسم لا دليل عليه وهو المعني بقوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [الأنعام: 59] وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته واليوم الآخر وأحواله وهو المراد به في هذه الآية. هذا إذا جعلته صلة للإيمان وأوقعته موقع المفعول به وإن وسكون الميم والمراد بها ههنا النقرة والحفرة التي تكون بإزاء الكلية وهي في الأصل بمعنى الجوعة والمخمصة المجاعة وهو مصدر كالمعتبة بمعنى العتاب، والأخمص ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض. قوله: (أو فيعل) عطف على قوله: «مصدر» أي ويجوز أن لا يكون مصدرا بل يكون صفة مشبهة ويكون أصله «غييب» على وزن فيعل بمعنى الفاعل وأدغمت الياء الساكنة في المكسورة فصار «غيب» بالتشديد ثم خفف فصار غيب، كما في «قيل» فإن أصله «قيل» بتشديد الياء وكسرها ثم خفف. قال الجوهري: القيل ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم، والمرأة قيلة وأصله قيل بالتشديد كأنه الذي له قول أو ينفذ قوله. قوله: (وقسم نصب عليه دليل) والمراد بالدليل ما يعم العقلي والنقلي فإن الصانع وصفاته مما نصب عليه دليل من طريق العقل، واليوم الآخر وأحواله مما ثبت بدليل نقلي وكلا القسمين غيب بالمعنى المذكور، إلا أن الإنسان يعلم القسم الثاني منه مما نصب عليه من الدليل. والغيب الذي اختص علمه بالله سبحانه وتعالى هو القسم الأول منه، والمراد بالغيب في الآية الكريمة هو القسم الثاني منه لأن كونه مفعول يؤمنون بواسطة الباء يقتضي تعلق العلم به بالضرورة، مدح الله سبحانه وتعالى المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي نصب عليه دليل بأن يتفكروا فيه ويستدلوا به عليه ويؤمنوا به.

ويدخل فيه العلم بالله سبحانه وتعالى وبصفاته والعلم بالآخرة والعلم بالنبوة والعلم بالأحكام والشرائع فإن في تحصيل هذه العلوم بالاستدلال مشقة فتصلح أن تكون سببا لاستحقاق المدح والثناء فإن قيل: الإيمان المذكور في قوله سبحانه وتعالى: والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون [البقرة: 4] إيمان بالأشياء الغائبة فلو كان المراد بالإيمان المذكور في هذه الآية الإيمان بالأشياء الغائبة أيضا لكان المعطوف نفس المعطوف عليه وأنه غير جائزا أجيب بأن قوله: يؤمنون بالغيب يتناول الإيمان بالغائبات على الإجمال ثم قال:

والذين يؤمنون بما أنزل إليك لأنه يتناول الإيمان ببعض الغائبات على التفصيل فكان هذا من باب عطف التفصيل على الإجمال وهو جائز كما في قوله سبحانه وتعالى: وملائكته ورسله وجبريل وميكال [البقرة: 98]. قوله: (هذا إذا جعلته صلة) أي كون المراد بالغيب الخفي عن الحس وعن بداهة العقل إنما هو إذا جعل بالغيب مفعولا به بواسطة حرف لقوله: يؤمنون فإن الصلة في اصطلاح النحاة تطلق على المفعول به بواسطة حرف الجر كما تطلق على نفس حرف الجر فتكون الباء لتعدية الإيمان إلى المؤمن به وهو الغيب بأن يضمن معنى الإقرار

Bogga 180