المحشي: وخالف الشارح ذلك في مبحث العلة فجعل السبب ملك النصاب، والحكمة استغناء المالك به، وكل صحيح، وإن كان ما فعله الشارح أوفق بالمشهور، من جعل ملك النصاب سببا، وبما تقرر علم أن مانع السبب، مستلزم لمانع الحكم. قال المحشي: «وإنما لم أذكر هنا مانع السبب، لأن كلامنا هنا في الحكم ومتعلقاته، من حاكم، ومحكوم به، وعليه، وشروطها، وليست الأسباب كذلك». أي فلم أذكر مانع السبب، قلت: لكن قوله: «وليست الأسباب كذلك» إنما يصح لو سلمنا أن متعلقات الحكم محصورة فيما قاله، وهو ممنوع، إذ أسبابه منها، وبتقدير تسليمه أورد عليه أنه كان ينبغي لذلك أن لا يذكر السبب، وقد ذكره، ويجاب بأنه إنما ذكره، لأنه من متعلقات الأحكام الوضعية التي الكلام فيها. وقول الشارح «عند الفقهاء» أي بعضهم، وقوله: «وإن قال المتكلمون» أي أكثرهم. قوله: «لانتفاء ذلك» أي لانتفاء استجماعه ما ذكر.
تعريف الصحة
صاحب المتن: والصحة موافقة ذي الوجهين الشرع، وقيل في العبادة: إسقاط القضاء
الشارح: «والصحة» من حيث هي الشاملة لصحة العبادة وصحة العقد، «موافقة» الفعل «ذي الوجهين» وقوعا «الشرع». والوجهان موافقة الشرع ومخالفته، أي الفعل الذي يقع تارة موافقا للشرع، لاستجماعه ما يعتبر فيه شرعا، وتارة مخالفا له، لانتفاء ذلك، عبادة كان كالصلاة، أو عقدا كالبيع، الصحة موافقته الشرع، بخلاف ما لا يقع إلا موافقا للشرع كمعرفة الله تعالى، إذ لو وقعت مخالفة له أيضا، كان الواقع جهلا لا معرفة، فإن موافقته الشرع ليست من مسمى الصحة، فلا يسمى هو صحيحا، فصحة العبادة - أخذا مما ذكر- موافقة العبادات ذات الوجهين وقوعا الشرع، وإن لم تسقط القضاء. «وقيل» الصحة «في العبادات: إسقاط القضاء».
أي إغناؤها عنه، بمعنى أن لا يحتاج إلى فعلها ثانيا.
المحشي: قوله: «فصحة العبادة» إلى آخره، توطئة لكلام المصنف.
قوله: «أي إغناؤها» إلى آخره فسر به عبارة المصنف كغيره، لأن ظاهرها غير مراد قطعا، إذ السقوط فرع الثبوت سواء قلنا القضاء بأمر جديد أم بالأمر الأول.
الشارح: فما وافق من عبادة ذات وجهين الشرع، ولم يسقط القضاء كصلاة من ظن أنه متطهر، ثم تبين له حدثه يسمى صحيحا على الأول دون الثاني.
المحشي: قوله: «كصلاة من ظن أنه متطهر، ثم تبين له حدثه، يسمى صحيحا على الأول دون الثاني». الأول منسوب للمتكلمين، والثاني للفقهاء.
قال السبكي: «تسمية الفقهاء لها باطلة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة، كما ظنه الأصوليون، بل لأن شرط الصلاة عندهم الطهارة في نفس الأمر، والصلاة بدون شرطها باطلة، وغير مأمور بها، وذلك لأنهم قالوا: من صحت صلاته، وكانت مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به، وإلا فلا.
المحشي: فجعلوا من الصحيحة ما لا يغني عن القضاء، وصححوا أيضا صحة صلاة فاقد الطهورين، مع أنها لا تغني عن القضاء. ثم قال: فالصواب حد الصحة عند الفريقين بموافقة الأمر، أي كما عبر به المتكلمون، غير أنهم يقولون: إن ظان الطهارة غير مأمور بها، والفقهاء يقولون: إنه مأمور بها مرفوع عنه الإثم بتركها، فلذلك كانت صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء». وفيما قاله أمور: منها قوله : إن شرط الصلاة عند الفقهاء الطهارة في نفس الأمر، يقتضي أنه لو تردد فيها وصلى ثم تبين له أنه متطهر صحت صلاته وليس كذلك. ومنها قوله: إن الصلاة بدون شرطها غير مأمور بها بناه على ضعيف، وهو أن حصول الشرط الشرعي شرط في صحة التكليف ووقوعه.
ومنها: رفعه الخلاف بين الأصوليين في جعله حد الصحة عند الفقهاء حدها عند المتكلمين.
ومنها قوله: إن الفقهاء يقولون إن ظان الطهارة مأمور بها مرفوع عنه الإثم، إذ مخالفة الأمر تقتضي الإثم. إلا أن يحمل الأمر على الندب، وفيه هنا بعد.
المقصود بصحة العقد
صاحب المتن: وبصحة العقد ترتب أثره.
Bogga 29