الشارح: واستعمل المصنف كغيره «ثم» للمكان المجازي كثيرا، ويبين في كل محل بما يناسبه ، كما سيأتي فقوله هنا «ومن ثم» أي من هنا، وهو أن الحكم خطاب الله، أي من أجل ذلك نقول: «لا حكم إلا لله» فلا حكم للعقل بشيء، مما سيأتي عن المعتزلة المعبر عن بعضه بالحسن والقبح.
المحشي: قوله: «أي من هنا» فسر «ثم» ب «هنا» مع أن المناسب تفسيرها بهناك أو هنالك، لكونها للبعيد، لأن غرضه الاختصار، وأنها للمكان، مع قطع النظر عن كونها للبعيد أو لغيره، بقرينة اقتصاره على قوله: «للمكان».
قوله: «مما سيأتي عن المعتزلة» أي من ترتيب المدح أو الذم إلى آخره، ومن وجوب شكر المنعم عقلا، ومن الحظر والإباحة، والوقف عنهما فيما قبل ورود الشرع، مما لم يقض به العقل، قوله: «المعبر» وصف «لما» قوله: «عن بعضه» هو ثالث الثلاثة الآتية في كلام المصنف.
تعريف الحسن والقبح
صاحب المتن: والحسن والقبح، بمعنى ملائمة الطبع، ومنافرته، وصفة الكمال والنقص، عقلي، وبمعنى ترتب الذم عاجلا، والعقاب آجلا، شرعي
الشارح: ولما شاركه في التعبير بهما عنه، ما يحكم به العقل وفاقا بدأ به تحريرا لمحل النزاع فقال «والحسن والقبح» للشيء «بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته» كحسن الحلو وقبح المر «و» بمعنى «صفة الكمال والنقص» كحسن العلم وقبح الجهل «عقلي» أي يحكم به العقل اتفاقا «وبمعنى ترتب» المدح و«الذم عاجلا» والثواب «والعقاب آجلا» كحسن الطاعة وقبح المعصية «شرعي» أي لا حكم به إلا الشرع المبعوث به الرسل، أي لا يؤخذ إلا من ذلك ولا يدرك إلا به.
المحشي: والضمير في «شاركه» راجع لبعضه وفي «عنه» راجع له أيضا، أو لما يحكم به العقل، وإن تأخر عنه لتقدمه عليه رتبة. قول المصنف «والعقاب» أي ترتبه بمعنى نص الشارع عليه، فلا ينافي جواز العفو عنه عندنا. قوله: «أي لا حكم به» إلى آخره، أشار به إلى أن معنى قول المصنف «لا حكم إلا لله» أنه لا يمكن إدراك حكم شرعي إلا من الله، وإلا فالمعتزلة لم يجعلوا للعقل حكما شرعيا كما يوهمه كلام المصنف، بل جعلوه طريقا إلى العلم به، يمكن إدراكه به من غير ورود سمع، والحكم الشرعي عندهم بحسب المصالح والمفاسد، فما كان حسنا عقلا جوزه الشرع، وما كان قبيحا عقلا منعه الشرع، فالشرع عندهم تابع للعقل، ولهذا يقولون: إنه مؤكد لحكم العقل فيما أدركه من حسن الأشياء وقبحها، والحق عندنا: أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع.
صاحب المتن: خلافا للمعتزلة.
الشارح: «خلافا للمعتزلة» في قولهم إنه عقلي أي يحكم به العقل، لما في الفعل من مصلحة أو المفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند الله، أي يدرك العقل ذلك بالضرورة، كحسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضار، أو بالنظر كحسن الكذب النافع، وقبح الصدق الضار، وقيل العكس. ويجيء الشرع مؤكدا لذلك أو باستعانة الشرع فيما خفي على العقل، كحسن صوم آخر يوم من رمضان، وقبح صوم أول يوم من شوال، وقوله كغيره: عقلي وشرعي، خبر مبتدأ محذوف، أي كل منهما أو كلاهما، وتركه كغيره -المدح والثواب - للعلم بهما من ذكر مقابلهما الأنسب، كما قال: بأصول المعتزلة، فإن العقاب عندهم لا يتخلف، ولا يقبل الزيادة، والثواب يقبلها، وإن لم يتخلف أيضا.
المحشي: قوله: «خلافا للمعتزلة» منصوب على المصدر أو الحال بتأويله ب «مخالفا» واللام للتبيين كما في سقيا لك قوله: «وقيل العكس» أي قبح الكذب النافع، وحسن الصدق الضار، قوله: «عقلي وشرعي خبر مبتدأ محذوف» يجوز أن يكون خبرا لأحدهما، وحذف خبر الآخر، لدلالة المذكور عليه.
حكم شكر المنعم
Bogga 18