Hashiya Cala Sahih Bukhari
حاشية السندى على صحيح البخارى
Daabacaha
دار الجيل - بيروت
Goobta Daabacaadda
بدون طبعة
Noocyada
Hadith
عَلَى أَنَّهُ سَاقَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّهُ وَعَدَ بِأَنَّهُ سَيُعَامِلُ بِالرَّحْمَةِ مَا لَا يُعَامِلُ بِالْغَضَبِ لَا أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ بِأَنَّ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ صِفَاتِهِ كُلِّهَا كَامِلَةٌ عَظِيمَةٌ وَلِأَنَّ مَا فَعَلَ مِنْ آثَارِ الْأُولَى فِيمَا سَبَقَ أَكْثَرُ مِمَّا فَعَلَ مِنْ آثَارِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَا جَاءَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْأَلْفِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَالْبَقِيَّةَ النَّارَ إِمَّا لِأَنَّهُ يُعَامِلُ بِمُقْتَضَى الرَّحْمَةِ وَلَا يُعَامَلُ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ كَمَا قَالَ ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] وَقَالَ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ [البقرة: ٢٦١] الْآيَةَ وَقَالَ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾ [الزمر: ١٠] الْآيَةَ وَإِمَّا لِأَنَّ مَظَاهِرَ الرَّحْمَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَظَاهِرِ الْغَضَبِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ كُلَّهُمْ مَظَاهِرُ الرَّحْمَةِ وَهُمْ أَكْثَرُ خَلْقِ اللَّهِ وَكَذَا مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ وَالْوِلْدَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
١٩٠ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْحَرَامِيُّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا جَابِرُ أَلَا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لِأَبِيكَ وَقَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا قَالَ أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ قَالَ يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]»
ــ
قَوْلُهُ: (لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ أَبُو جَابِرِ بْنُ حَرَامٍ ضِدُّ الْحَلَالِ جُعِلَ عَلَمًا اسْتُشْهِدَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ عِيَالًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ قَوْلُهُ (كِفَاحًا) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مُوَاجَهَةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَلَا رَسُولٌ قَوْلُهُ (تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِيكَ) ظَاهِرُهُ عُمُومُ الْمَفْعُولِ أَيْ مَا شِئْتَ كَمَا يُفِيدُهُ حَذْفُ الْمَفْعُولِ وَالْمَقَامُ فَيُشْكِلُ بِأَنَّ عُمُومَ الْوَعْدِ شَمِلَ الْأَحْيَاءَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَكَيْفَ مَا أَحْيَاهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ خِلَافَ الْمِيعَادِ الْمَعْهُودِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْعُمُومِ فَإِنَّ الْغَايَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْأُصُولِ قَوْلُهُ (تُحْيِينِي) هَذَا مِنْ مَوْضِعِ الْإِخْبَارِ مَوْضِعِ الْإِنْشَاءِ لِإِظْهَارِ كَمَالِ الرَّغْبَةِ وَإِلَّا فَالْمَقَامُ يَقْتَضِي أَحْيِنِي أَيْ أَحْيِنِي فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ وَهُوَ حَيٌّ يَتَكَلَّمُ فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْإِحْيَاءَ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ قَوْلُهُ (فَأُقْتَلُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالنَّصْبِ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ مَعْنًى لِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (فَأُبْلِغْ) مِنَ الْإِبْلَاغِ أَيْ حَالَنَا تَرْغِيبًا لَهُمْ
1 / 82