الانتفال من الغيبة إلى الخطاب ولذلك لم يذكر له مثالا. وثانيها ما يشارك الأول في طرفيه على التبادل. وثالثها ما يشاركه في الطرف الأول. وأشار بقوله (وقد التفت امرؤ القيس) إلى نوع رابع هو الانتقال من التكلم إلى الخطاب في ليلك واقتصر على هذه الأربعة لأنها أكثر الأنواع وأشهرها وأراد بعلم البيان ههنا كما في خطبة المفصل العلوم الثلاثة . قال بعض الأفاضل: يبحث عن الالتفات في كل واحد منها. أما في علم المعاني فباعتبار كونه على خلاف مقتضى الظاهر. وأما في البيان فباعتبار أنه إيراد لمعنى واحد في طرق مختلفة الدلالة عليه جلاء وخلفاء وبهذين الاعتبارين يفيد الكلام حسنا ذاتيا للبلاغة. وأما في البديع فمن حيث إن فيه جمعا بين صور متقابلة في معنى واحد فكان من المحسنات المعنوية، ويؤيده أن صاحب المفتاح ورده تارة في المعاني وأخرى في البديع، وفى عده خلاف مقتضى الظاهر كناية إيماء إلى أنه من البيان أيضا (قوله ثلاث النفاتات في ثلاثة أبيات) يجرى مجرى النص على أن في كل بيت منها التفاتا، فيكون ليلك التفاتا من التكلم إلى الخطاب، فتعين أن الالتفات عنده مخالفة الظاهر في التعبير عن الشئ بالعدول عن إحدى الطرق الثلاث إلى أخرى منها، إما تحقيقا وإما تقديرا كما اختاره الإمام السكاكي، ومنهم من اشترط في الالتفات سبق التعبير بالطريق المعدول عنه وحاول تطبيق كلام المصنف عليه، فزعم أن الالتفات الأول في بات من الخطاب إلى الغيبة، والثاني في ذلك من الغيبة إلى الخطاب، والثالث في جاءني من الخطاب إلى التكلم. ورد بأن حرف الخطاب جار على أصله من كونه لمن يتلقى عنه الكلام لا أنه خاطب به نفسه، ولذلك لم يعد السكاكي في الأبيات الثلاثة أربع التفاتات. وربما قيل إن في جاءني التفاتين نظرا إلى الغيبة والخطاب السابقين وفساده ظاهر، واعلم أن قوله تطاول ليلك إن حمل على الالتفات لم يكن تجريدا وإن عد تجريدا كقوله * وهل تطيق وداعا أيها الرجل * لم يكن التفاتا لأن مبنى التجريد على مغايرة المنتزع للمنتزع منه ليترتب عليه ما قصد به من المبالغة في الوصف ومدار الالتفات على اتحاد المعنى ليحصل ما أريد به من إيراد المعنى في صورة أخرى غير ما يستحقه بحسب ظاهره. ويؤيد ذلك ما نقله الفاضل اليمنى من أن أبا على وابن جنى وابن الأثير حكموا بأن ليلك تجريد وليس بالتفات، فمن ادعى أن أحد أقسام التجريد أعني مخاطبة الإنسان نفسه التفات وأنه لا منافاة بينهما فقد سها. والأثمد بفتح الهمزة وضم الميم اسم الموضع وبكسرهما كذلك على ما نقله رحمه الله تعالى. ولا ينافي ذلك كونه اسما لحجر يكتحل به. والخلي الخالي من الهم والظرف: أعني له حال من ليلة إذ لا معنى لتعلقه بيات. العائر بمعنى العوار وهو القذى الرطب الذي تلفظه العين عند الوجع، وبمعنى
Bogga 63