تدرج من وصفه تعالى بالربوبية إلى وصفه بالملكية ناسب أن تكون فاتحته كذلك. وأما رابعا فلأن الملك بالضم يعم والملك بالكسر يخص، وذلك لأن ما تحت حياطة الملك من حيث إنه ملك أكثر مما تحت حياطة المالك من حيث إنه مالك، فإن الشخص يوصف بالمالكية بالنظر إلى أقل قليل، ولا يوصف بالملكية إلا نظرا إلى أكثر كثير، وأيضا الملك أقدر على ما يريد في متصرفاته وأكثر تصرفا فيها وسياسة لها وأقوى تمكنا منها واستيلاء عليها من المالك في مملوكاته، ولا يقدح في الأول أنه يقال مالك الدواب والأنعام ولا يقال ملكهما لأن ذلك ليس من حيث من حياطته قاصرة عنها، بل من حيث إن الملك إنما يضاف عرفا إلى ما ينفذ فيه التصرف بالأمر والنهى، ولا في الثاني أن المالك له التصرف في مملوكه بالبيع وأمثاله، وليس ذلك للملك في رعاياه لأن الكلام في الموضوع اللغوي دون العرفي الفقهي، فللملك أن يتصرف فيهم بما شاء. وأما كون التصرف حقا أو ليس بحق فمما لا يعتبر في الملك ولا في المالك لغة بل شرعا (قوله ويوم الدين يوم الجزاء) قيل في اختيار يوم الدين على يوم القيامة وعلى سائر الأسامي رعاية للفاصلة وإفادة للعموم، فإن الجزاء يتناول جميع أحوال الآخرة إلى السرمد (قوله كما تدين تدان) أي كما تفعل تجازى (دناهم كما دانوا) أي جزيناهم بمثل ما ابتدأونا به (قوله ما هذه الإضافة) أراد إضافة مالك ولذلك قال: هي إضافة اسم الفاعل وفرع عليه قوله فإضافة اسم الفاعل، وأما إضافة ملك فلا إشكال فيها لأنها إضافة المشبهة إلى غير معمولها كما في رب العالمين فتكون حقيقية. لا يقال ما أضيف له مفعول به في المعنى فتكون لفظية، لأنا نقول: الصفة المشبهة لا تعمل النصب أبدا، ألا ترى إلى قولهم وإضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها في تمثيل الإضافة اللفظية، ولا يرد على ذلك هو رحيم فلانا وجليس زيدا، لأن الأول صيغة مبالغة كما مر، والثاني بمعنى مجالس وإلا لم يكن متعديا. وأما أن الصفة المشبهة لا تشتق إلا من فعل لازم والملك والرب مشتقان من متعد، فجوابه ما عرفت من أن المتعدى يجعل لازما بالنقل ثم يشتق منه الصفة، والإضافة فيهما كما في قولك ملك العصر وكريم الدهر وحسن البلد فتكون حقيقية قطعا (قوله مجرى مجرى المفعول به) الأول صيغة مفعول من الإجراء وقعت حالا من الظرف. والثاني يروى بالضم والفتح إما مصدر أو مكان، والاتساع في الظرف أن لا يقدر معه في توسعا فينصب نصب المفعول به كقوله: ويوم شهدناه، أو يضاف إليه على وتيرته كمالك يوم الدين وسارق الليلة، حيث جعل اليوم مملوكا والليلة مسروقة. وأما مكر الليل والنهار فإن جعلا ممكورا بهما كما يقتضيه سياق كلامه في المفصل كان مثالا لما نحن فيه من إجراء الظرف مجرى المفعول به وإن كان بواسطة حرف جر، وإن جعلا ما كرين كان تشبيها في إعطاء الظرف حكم غيره والإضافة في الكل بمعنى اللام، ولم يعتد
Bogga 57