للمجمل الواقع في ذنه وإزالته للتردد. والشكر إما بالقلب بأن يعتقد اتصاف المنعم بصفات الكمال وأنه ولى النعمة وإما باللسان بأن يثنى عليه بلسانه، وإما بالجوارح بأن يدئب نفسه في طاعته وانقياده. وقوله " أفادتكم النعماء " استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الموارد الثلاثة، وبيان ذلك أنه جعله بإزاء النعم جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء النعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة، ومن لم يتنبه لذلك زعم أن المقصود مجرد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها فإنه غير مذكور ههنا. فإن قلت: الشاعر جعل المجموع بإزاء النعمة فالشكر يجب أن يطلق عليه، وأن على كل واحد من الثلاثة فلا. قلت: لا شبهة في أن الشكر يطلق على فعل اللسان اتفاقا، وإنما الاشتباه في إطلاقه على فعل القلب والجوارح حتى توهم كثير من الناس أن الشكر في اللغة فعل اللسان وحده، ولما جمع الشاعر الأول مع الأخيرين وجعلها ثلاثة علم أن كل واحد شكر للنعمة على حدة كأنه أراد أن نعماكم كثرت عندي وعظمت فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبالغ في ذلك حتى جعل مواردها واقعة في مقابلة النعماء ملا لأصحابها مستفادا منها كأنه قال: يدي ولساني وقلبي لكم، فليس في القلب إلا نصحكم ومحبتكم، ولا في اللسان إلا ثناؤكم ومحمدتكم، ولا في اليد والجوارح إلا مكافأتكم وخدمتكم وفى وصف الضمير بالمحجب إشارة إلى أنهم ملكوا ظاهره وباطنه (قوله فهو إحدى شعب الشكر) أي باعتبار المورد وإن كان الشكر باعتبار المتعلق إحدى شعب الحمد، وعبر عن الأقسام بالشعب لأنها متعبة عن مقسمها (قوله ما شكر الله عبد لم يحمده) فإنه إذا لم يعترف بإنعام المولى ولم يثن عليه بما يدل على تعظيمه وإكرامه لم يظهر منه شكر ظهورا كاملا، وإن اعتقد وعمل فلم يعد شاكرا لأن حقيقة الشكر إظهار النعمة والكشف عنها، كما أن كفرانها إخفاؤها وسترها، والاعتقاد أمر خفى في نفسه، وعمل الجوارح وإن كان ظاهرا إلا أنه يحتمل خلاف ما قصد به فإنك إذا قمت تعظيما لأحد احتمل القيام أمرا آخر إذ لم يتعين للتعظيم بخلاف النطق فإنه ظاهر في نفسه ومعين لما أريد به وضعا (قوله وأما النطق فهو الذي يفصح عن كل خفى) ولاخفاء فيه (ويجلى عن كل مشتبه) فلا احتمال له بل هو ظاهر في نفسه ومعين لما أريد به وضعا كما أن الرأس أظهر الأعضاء وأعلاها وهو أصل لها وعمدة لبقائها كذلك الحمد أظهر أنواع الشكر وأشهرها وأشملها على حقيقة الشكر والإبانة عن النعمة حتى لو فقد كان ما عداه بمنزلة العدم (قوله وارتفاع الحمد بالابتداء) ربما يتوهم أن المجرور معمول للمصدر واللام لتقويته كما في قولك:
Bogga 47