[مقدمة المؤلف]
والمنهج الذي سرت عليه في تحقيقها كما يبدو بين يدي القارئ الكريم باختصار هو: ضبط كلماتها، وتفصيل جملها وعباراتها، وتقطيع فقراتها إلى مقاطع قصيرة، وتخريج ما ورد فيها من الأحاديث، وتوثيق النصوص الواردة فيها من مظانها، وترجمة ما ورد فيها من الأعلام، وعمل فهارس علمية لها تسهل الرجوع لما فيها.
وفي الختام، أسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل مني؛ ليكون في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى ربه بقلب سليم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
في 8 شوال 1421ه صلاح محمد أبو الحاج
الموافق 3 كانون الثاني 2001م ... ... شارع حيفا/بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أنه لا إله إلا هو أضحك وأبكى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه أئمة الهدى.
وبعد:
فيقول الراجي عفو ربه القوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، أضحك الله سنه يوم يسئل عن كل خفي وجلي:
قد جرى بحضرتي في بعض أيام تدريسي كلام فيما ذهب إليه أصحابنا من فساد الصلاة، وانتقاض الوضوء بالقهقهة.
فقال بعضهم: لا يثبت في هذا الباب حديث صحيح، ولا يتحقق فيه أثر صريح.
وقال بعضهم: الحديث الوارد فيه من أخبار الآحاد، مع كونه ضعيف الإسناد، فالعمل به مخالف لما تقرر في أصول الحنفية من أن الحديث إذا كان من أخبار الآحاد، ويكون القياس مخالفا له، فعلى القياس الاعتماد، إلا أن يكون راويه فقيها، وناقله نجيحا.
Bogga 8
فقلت: هذا كله كلام سقيم، لا يقبله الرأي السليم، ولما لم يكن مجرد التقرير لنزاعهم دافعا، ولشكوكهم رافعا، أردت أن أصنف في هذه المسألة رسالة مستقلة تكون حاوية للدلائل، محيطة بالمسائل، مسميا لها ب:
((الهسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة))
وقد رتبتها على: مقدمة، ومقصدين، وخاتمة.
* * *
?
- المقدمة -
في تقسيم الضحك
وذكر حدوده
اعلم رحمنا الله ورحمك، وأضحك سننا وسنك، أن الضحك معدود عندهم في خواص الإنسان، وهو على ثلاثة أقسام:
أعلاها القهقهة:
وهو أن يقول في ضحكه: قه قه.
وقيل بمعناه: قه أيضا.
وقد يقلب فيقال: هقهقة، كذا قال الجوهري(1) في ((صحاح اللغة))(2).
وفي ((القاموس))(3): قهقهه: رجع في ضحكه، أو اشتد ضحكه، وقه(4) قال في ضحكه: قه، فإذا كرره قيل: قهقه. انتهى(5).
Bogga 9
ومن هاهنا عرفها بعض الفقهاء بما يظهر فيه القاف والهاء مكررتين، وروى الحسن(1) عن أبي حنيفة على ما في ((الغنية))(2): إن القهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه، أي لمن عنده سواء بدت نواجذه أو لا.
Bogga 10
ونقل عن شمس الأئمة الحلواني(3): إنه إذا بدت نواجذه: أي الأضراس، ومنعه الضحك من القراءة فهو قهقهه(4).(5) وقال صاحب ((البحر))(1): رأيت في كلام بعضهم: إنه لو أتى بحرفين من قه قه انتقض الوضوء عملا بعدم تبعيض الحدث؛ لأنه إذا وقع بعضه وقع كله قياسا لوقوعه على ارتفاعه، وقد يقال: إن الحكم وهو النقض متعلق بالقهقهة، فإذا وجد بعضها لا يوجد الحكم، لما عرف في الأصول أن المشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط. انتهى(2).
قلت(3): الذي يقتضيه النظر الدقيق هو الانتقاض بحرفين أيضا، بل بمطلق خروج الصوت؛ فإن انتقاض الطهارة بها إنما هو زجرا على فعل ما ينافي الصلاة على الأصح، فيتعلق بنفس خروج الصوت.
وأوسطها:
أن يكون مسموعا له دون جيرانه، ويختص باسم الضحك: بكسر الضاد المعجمة، وسكون الحاء المهملة، على ما هو الأشهر، وجاز فيه فتح أوله مع سكون ثانيه وكسرهما، وفتح أوله وكسر ثانيه، كجوازه في نحو فخذ من كل ما كان عينه حرفا حلقيا، على ما يفهم من ((القاموس))(4).
وأدناها:
التبسم؛ وحده: أن لا يكون مسموعا أصلا لا له ولا لجيرانه، يقال: بسم بالفتح يبسم بالكسر بسما فهو متبسم.
Bogga 11
وقال ابن أمير حاج(1) في ((حلبة المجلي شرح منية المصلي))(2): لم أقف على التصريح باشتراط إظهار القاف والهاء في القهقهة، بل الذي توارد عليه كثير من المشايخ كصاحب(3) ((المحيط))(4) ،...................
و((الكافي))(1)، وغيرهم: إنه ما يكون مسموعا له ولجيرانه، وظاهره التوسع في إطلاقها على ما له صوت وإن عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما.
* * *
?
- المقصد الأول -
في ذكر اختلاف المذاهب
في انتقاض الوضوء بالقهقهة
وأدلة كل مذهب منها
اعلم أنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب:
- الأول -
إنها لا تنقض الوضوء
Bogga 13
به قال ابن مسعود ، وجابر ، وعروة بن الزبير(2) ، والقاسم بن محمد(1)، وسعيد بن المسيب(2)، وأبو بكر بن عبد الرحمن(3)، وسليمان بن يسار(4)، ومحكول(5).
وإليه ذهب مالك(6)، وأحمد(7)، ............................
Bogga 14
وأبو ثور(1)، والشافعي(2)، وداود(3)، وغيرهم، كذا حكاه العيني(4) في ((البناية شرح الهداية))(5).
واستدلوا على ذلك:
بأن القياس يأبى انتقاض الوضوء بها؛ لأنها ليست بنجس خارج حتى تكون حدثا،ألا ترى إلى أنها لا تنقض الوضوء خارج الصلاة،فكذا فيها.
والجواب عنه: إنه لا مجال للعقل بعد ورود النقل، والقياس إنما يجري في الأحكام القياسية لا في الأمور التي ورد الشرع بها، وهي مخالفة للقياس.
Bogga 15
وقال العيني في ((البناية)): إن قلت ذكر البيهقي(1) عن الشافعي أنه لو ثبت حديث الضحك في الصلاة لقال به.
وقال ابن الجوزي(2): قال أحمد: ليس في الضحك حديث صحيح.
قلت(3): مذهب الشافعي أن المرسل إذا أرسل من وجه، وأسند من وجه آخر يقول به(4)، والحديث الذي ورد في هذا الباب أرسل من وجوه وأسند من وجوه، فيلزمه أن يقول به.
Bogga 16
وقال ابن حزم(1): كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواتره عمن عد من مراسيله(2).
قلت(3): وكذا يلزم الحنابلة أيضا؛ لأنهم يحتجون بالمراسيل، وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به، يقال لهم: إن أقل أحواله أن يكون ضعيفا، وهو مقدم عندهم على القياس.
والعجب منهم أنهم يقولون لعلمائنا: أصحاب الرأي، وينسبونهم(4) إلى ترك كثير من الأحاديث بالقياس، وهم تركوا حديثا رواه جماعة من الصحابة.
وأما قول أحمد، والذهبي(5) فنفي، وما ذكره أصحابنا إثبات، وهو مقدم على النفي على أنا نقول: عدم علم الشخص بشيء، لا(6) يكون حجة على من علمه قبله. انتهى كلامه(7).
* * *
- المذهب الثاني -
Bogga 17
إنها ناقضة للوضوء إذا كانت في الصلاة وبه قال أبو موسى الأشعري، والحسن البصري(1)، والثوري(2)، ومحمد بن سيرين(3)، والأوزاعي(4)، وعبيد الله(5). كذا قال العيني(6).
Bogga 18
وهو قول النخعي(1)، كما في ((مسند الإمام أبي حنيفة )) الذي جمعه الخوارزمي(2): أبو حنيفة عن حماد(3) عن إبراهيم النخعي: في الرجل يقهقه في الصلاة، قال: يعيد الوضوء والصلاة، ويستغفر؛ فإنه أشد الحدث(4).
وإليه ذهب أصحابنا مستدلين بالحديث الذي رواه جماعة من الصحابة، والحديث مقدم على القياس.
Bogga 19
فروى الطبراني(1) في ((معجمه)) عن أحمد بن زهير، حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية(2)، عن
أبي موسى الأشعري قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بالناس، إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان في بصره ضرر، فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء، ويعيد الصلاة)(3).
Bogga 20
وروى الدارقطني(1) عن عبد العزيز بن حصين، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: (إذا قهقه أعاد الوضوء والصلاة)(2).
وروى ابن عدي(3) في ((الكامل)) من حديث بقية عن أبيه، عن عمرو بن قيس السكوني، عن عطاء، عن ابن عمر مرفوعا: (من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة)(4).
وروى الدارقطني عن داود عن أيوب عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بنا، فجاء رجل ضرير البصر فتردى في حفرة كانت في المسجد...)(5)الحديث بمثل الأول.
Bogga 21
قوله: رجل ضرير البصر: أي ذاهب البصر، يقال: رجل ضرير إذا ذهب بصره، وقوله: تردى: أي سقط.
وروي أيضا(1) عن عبد الرحمن بن عمرو، حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن أبي العالية مرسلا: (إن أعمى تردى) الحديث، وقال: لم يروه عن سلام غير عبد الرحمن بن عمرو، وهو متروك الأحاديث.
ثم أخرجه(2) عن سفيان بن محمد، عن عبد الله بن وهب، عن يونس، عن الزهري(3)، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أنس نحوه.
وقال: سفيان هذا سيء الحال، وأحسن حالاته أن يكون وهم على ابن وهب، أعني قوله فيه عن أنس، فقد رواه غير واحد عن ابن وهب، منهم: خاله، وموهب بن يزيد، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وغيرهم، لم يذكروا فيه أنس بن مالك.
ثم أخرج(4) أحاديثهم، ثم أخرج عن الزهري أنه قال: لا وضوء في القهقهة، قال: فلو كان هذا صحيحا عنده لما أفتى بخلافه.
Bogga 22
وروى أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي(1) في ((تاريخ جرجان)): حدثنا الأمام أبو بكر أحمد(2) بن إبراهيم الإسماعيلي، حدثني أبو عمرو محمد بن عمرو بن شهاب، حدثنا أبو جعفر، أحمد بن فورك، حدثنا عبيد الله بن أحمد الأشعري، حدثنا عمار بن يزيد البصري، حدثنا موسى بن هلال، حدثنا أنس مرفوعا: (من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة)(3).
وروى الدارقطني عن محمد بن يزيد بن سنان، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ، ثم ليعد الصلاة)(4).
وروى أيضا عن إسماعيل بن عياش، عن عمر بن قيس، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن عمران بن حصين مرفوعا: (من ضحك في الصلاة قهقهة(5) فليعد الوضوء والصلاة)(6).
ورواه البيهقي أيضا عن عبد الرحمن بن سلام، عن عمر بن قيس به(7).
وروى ابن عدي(8)، عن بقية، عن محمد الخزاعي، عن الحسن، عن عمران: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال لرجل ضحك في الصلاة: (اعد وضوءك).
Bogga 23
وروى الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه، قال: (بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أقبل رجل ضرير البصر...)(1) بمثل حديث أبي موسى.
وقال ابن إسحاق(2): حدثنا الحسن بن عمارة عن خاله الحذاء، عن أبي المليح، عن أبيه مثله.
وروى الأمام أبو حنيفة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن معبد بن أبي معبد مرفوعا: (من قهقه في صلاته أعاد الوضوء والصلاة)، أخرجه الدارقطني(3) من طريقه.
وروى الطبراني والدارقطني من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عن هشام بن حسان، عن حفصة، عن أبي العالية عن رجل من الأنصار: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي فمر رجل في بصره سوء فتردى في بئر، فضحك طوائف من القوم، فأمر من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة)(4).
Bogga 24
وروى عبد الرزاق في ((مصنفه)) عن معمر، عن قتادة، عن أبي العالية مرسلا: (إن أعمى تردى في بئر، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بأصحابه، فضحك من كان يصلي معه، فأمر من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة)(1).
وأخرجه الدارقطني أيضا من طريق خالد الحذاء،وأيوب السختياني، وهشام بن حسان، والوراق، وحفص بن سليمان،عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية، ومن طريق شريك ومنصور، عن أبي هاشم عنه.
ورواه ابن أبي شيبة(2)، وأبو داود في ((مراسيله))(3) أيضا من جهة شريك.
وروى الدارقطني عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: (جاء رجل ضرير البصر، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي)(4) الحديث.
وروى أيضا(5) عن يونس، عن ابن شهاب الزهري، عن الحسن البصري.
ورواه أيضا محمد(6) في كتاب ((الآثار))(7) عن الإمام أبي حنيفة، عن منصور، عن الحسن.
Bogga 25
ورواه الشافعي في ((مسنده)): أخبرنا الثقة يحيى بن حسان، عن معمر، عن ابن شهاب، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن مرسلا، ثم قال: وهذا لا يقبل لأنه مرسل(1).
وقال ابن دقيق العيد(2): إذا آل الأمر إلى توسط سليمان بن أرقم بين الزهري وبين الحسن، وهو عندهم متروك تعلل. انتهى.
ومن المراسيل أيضا: مرسل الزهري ذكره ابن عدي في ((الكامل))(3).
وروى ابن حبان(4) في كتاب ((الضعفاء)) من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا: (إذا ضحك الرجل في صلاته فعليه الوضوء والصلاة، وإذا تبسم فلا شيء عليه).
فهذه الأحاديث المسندة، والأخبار المرسلة دالة صريحا على انتقاض الوضوء بالقهقهة.
ومما ينبغي أن يعلم أنه وقع في كتب الأصول نسبة رواية هذا الحديث إلى زيد بن خالد الجهني، ولم أجده من روايته.
Bogga 26
والعلامتان الزيلعي(1) والعيني مع بسطهما طرق هذا الحديث، أيضا لم يذكراه من روايته.
وقال قاسم(2) في ((شرح مختصر المنار)): أما قولهم أن زيد بن خالد
الجهني(3) رواه فمما لم يوجد في شيء من الكتب التي بأيدي أهل العلم الآن.
وقد رواه الأئمة عن أبي حنيفة من غير طريق زيد؛ فرواه محمد(4) من مرسل الحسن، ورواه غيره من طريق معبد(5). انتهى كلامه.
وللخصوم على هذه الوجوه وجوه من الإيراد:
بعضها إلزامية.
وبعضها تحقيقية.
وبعضها إجمالية.
وبعضها تفصيلية.?
- فمنها -
ما أورده البيهقي في ((الخلافيات)) بعد ذكره مسند أبي موسى: من أن جماعة من الثقات رووه عن هشام، عن حفصة، عن أبي العالية مرسلا، ولم يذكروا فيه أبا موسى.
Bogga 27
والجواب عنه إنهم اختلفوا في قبول المرسل من الأخبار وعدم قبوله ، فذهب
مالك، وأحمد، وأبو حنيفة وأصحابه، وغيرهم إلى قبوله(1).
وذهب طائفة من أهل الحديث إلى أن المرسل في حكم الحديث الضعيف، فلا يقبل إلا إذا أسند من وجه آخر، لو أرسله من أخذ عن غير رجال المرسل الأول.
وهو مذهب الشافعي وأصحابه.
واستدلوا على ذلك:
بأن من شرط الحديث الصحيح ثقة رجاله.
والمرسل سقط منه رجل لا يعلم حاله، وإن اتفق أن الذي أرسله كان لا يروي إلا عن ثقة، فالتوثيق في المبهم غير كاف.
وأجاب عنه أصحابنا:
بأن الكلام إنما هو في إرسال الثقة، فهو لا يرسل الخبر إلا بعد توثيق من أخذ عنه فلا اشتباه في المرسل، بل المرسل فوق المسند؛ فإن الراوي الثقة إذا اعتمد على وثوق شيخه، ولم يبق له اشتباه فيه أرسله، وزيادة تفصيل هذه الأصول مبسوطة في علم الأصول(2).
إذا عرفت هذا فنقول: لو سلمنا أن الرواية المذكورة من مرسلات أبي العالية، فالمرسل مقبول عندنا، وكذا عندكم أيها المالكية والحنابلة فلم لا تعملون به!
قال العيني في ((البناية)): العجب من أحمد أن مذهبه تقديم الحديث الضعيف على القياس ، هكذا حكاه عنه ابن الجوزي في ((التحقيق))، وقد أخذ بالقياس هاهنا، وترك أحد عشر حديثا، والمرسل حجة عند مالك أيضا. انتهى(3).
Bogga 28