Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Noocyada
في المجتمع، وأكد على علاقتها بالأبحاث التجريبية العينية، فلم تعد وظيفة الفلسفة أنها الحاكم المطلق في العلم والثقافة، بل دخلت في علاقة مع العلوم الإنسانية وتاريخ العلم، ومع فلسفة اللغة واللغويات التجريبية.»
48
ويمكن القول إن محاولة هابرماس الأساسية - منذ كتابه «المعرفة والمصلحة»، وحتى «نظرية الفعل التواصلي» - هي وضع إطار عمل شامل للعقلانية والتعقل. إن التفكير الفلسفي يبدأ بتأمل العقل المتمثل في المعرفة، والكلام والفعل، ويحتفظ بدوره الرئيسي «كحارس للعقل»، وبذلك يقدم هابرماس نوعا من «الخطاب المهجن» الذي يدمج الأفكار الفلسفية في سياق البحث التجريبي معارضا بذلك التصورات والمفاهيم التقليدية للفلسفة.
وإذا كان الجيل الأول من مؤسسي «النظرية النقدية» قد اقتصر على نقد أفكار وعقلانية الحداثة، واكتفوا بتوجيه سهام النقد إلى كل أوجه الحياة الفلسفية المحيطة بهم، فإنهم لم ينجحوا في بلورة نظرية نقدية نسقية، ولم يقدموا في النهاية غير نظرة تشاؤمية إلى الوجود والتاريخ عندما عجزوا عن إمكانية التغيير، فإن هابرماس يؤكد أن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد، ولكنه يؤكد من ناحية أخرى أن «فلسفة الوعي وفلسفة الذات قد استنفدت كل طاقاتها، ويتعين إدخال مسألة التفاهم والتواصل لتنشيط التفكير الفلسفي في اللغة والزمن والذات والحداثة والعقل.»
49
ولذلك أسس هابرماس نظرية فلسفية أطلق عليها اسم «نظرية الفعل التواصلي» تتخذ من النقد مرتكزا لها، وتستند إلى صياغة جديدة للعقلانية قائمة على التواصل بين الذوات الفاعلة في المجتمع. ويقدم هابرماس مفهوما للتفاعل يقوم على الممارسة الاجتماعية التي تصاغ باللغة العادية. وتقوم على أخلاقيات الحوار بين أفراد المجتمع، ويتم توظيف اللغة من أجل التفاهم للتوصل إلى نوع من الاتفاق بين الذوات. (3-8) البنيوية
بعد أن انحسرت الوجودية كفلسفة من الساحة الثقافية في الغرب الأوروبي، ظهرت «موضة» البنيوية في الساحة الثقافية الفرنسية على وجه الخصوص، واكتسحت ميادين شديدة التنوع، منها ما يختص بمجال اللغويات وأهم أعلامه جاكوبسون وشومسكي، ومنها ما ينتمي إلى علم النفس ويمثله لا كان، ومنها ما يختص بالنقد الأدبي الذي يهتم بالبنية الفنية للنص، مثلما فعل رولان بارت الذي انتقد سيطرة أيديولوجية المؤلف سواء في الأدب أو الفلسفة باعتبار أن سلطة المؤلف تعبر عن تاريخ ومجتمع وتحيل إليهما، وبارت يريد إلغاء هذه السلطة لفهم النص الأدبي بعيدا عنها. أما في ميدان الفلسفة، فيعد فوكو أحد أشهر أعلام البنيوية، على الرغم من تنكره أحيانا من الانتماء إليها. وكان ألتوسير بنيويا في تأويله للماركسية، ثم يأتي ليفي شتراوس مؤسس الأنثروبولوجيا البنيوية. وكان للتطور المعاصر للعلوم والممارسة الاجتماعية فضل كبير في ظهور البنيوية، كما كان علم اللغة أحد مصادرها.
تعتبر البنيوية منهجا علميا أكثر منها مذهبا فلسفيا، وعداؤها للنزعة التجريبية والنزعة التاريخية هي أهم ما يميزها. أثارت البنيوية ردود أفعال متباينة - كما أشرنا في المقدمة - بين الحماس العاطفي لها والرفض الغاضب عليها. أنكرت الذات واهتمت بالنسق «اللغوي»، كنسق منطقي لا يتوافق مع الواقع؛ فأصبح البحث البنيوي لا يتجه نحو الموضوع، بل نحو نسق الدلالات؛ بمعنى آخر أصبحت الدلالة اللغوية من المفاهيم الأساسية في النزعة البنيوية بمختلف أشكالها، وأصبحت اللغة هي الحقيقة الموضوعية التي لا تظهر إلا باختفاء الذات.
كانت الأنثروبولوجيا البنيوية هي ميدان بحث ليفي شتراوس (1908م-...)، وقد كان «للبحوث اللغوية دور عظيم الأهمية في تحديد الاتجاه الذي سارت فيه بنيوية ليفي شتراوس، وفي صبغ أبحاثه الأنثروبولوجية بطابعها المميز.»
50
Bog aan la aqoon