وتعشت مع الأنفار، والغريب أنها وجدت شهيتها متفتحة على غير العادة، وآوت إلى فراشها القش ومخدتها الحجرية وكل ما يشغلها هو فرحة الإفلات، وكأن تلك الفرحة قد تولت تخدير جسمها وكبت كل آلامها.
واستيقظت مع الأنفار في الفجر، ومع شعاعات الشمس الأولى بدا لها أن الهم قد انزاح عن كاهلها إلى الأبد، وأنها أصبحت طليقة حرة، تخلصت - دون أن يشمت فيها أحد أو يعيرها أحد - من الورم الخبيث الذي كاد يوردها حتفها، بدا لها الصباح جميلا جدا، وبدا لها أن كل شيء سوف يسير كما أرادت تماما وكأن الله معها.
وفي طريقها إلى الغيط خرجت - لأول مرة - عن العزلة المقيتة التي كانت قد فرضتها على نفسها، وقد أصبحت منتشية بإحساسها أن لم يعد فيها شيء يمنعها من أن تكون مثل سائر الناس، تخالطهم ويخالطونها وتحادثهم ويضحكون معها.
لوية بوزها انفكت، ورأسها غسلته وسرحت شعرها ربما للمرة الأولى منذ شهور، وبدت عزيزة مرحة منطلقة على غير عادتها حتى إنها شاركت الأنفار في غنائهم في أثناء العمل، حين يشتركون في تزويج نفر منهم لبنت، وتناجيه ويناجيها، ثم يزفهم الأنفار جميعا بنشيد جماعي. •••
غير أن كل شيء لم يسر تماما كما أرادت عزيزة.
فبعد يومين بدأت تسخن وتحس بدق متواصل يفتت مفاصلها.
وفي اليوم الثالث بدأت السخونة تتحول إلى نيران تتصاعد من جلدها وجوفها.
كانت قد أصيبت بحمى النفاس.
ولكنها لم تكن تعرف ماذا أصابها، ولا رأت أبدا أية علاقة ممكن أن تكون بين ولادتها في العراء على حافة الخليج وبين ما يحدث لها. كل ما أحسته أن جسدها بدأ يخونها، وأنه لم يعد يطاوعها في يقظتها أو في منامها، ولم تعد قادرة على صلب حيلها في الخط.
ولكن آلام الدنيا كلها وحرارتها كان لا يمكن أن تثنيها عن العمل، فاستمرت تسرح وتروح وتمسك الخط مثلها مثل بقية الأنفار، تدوخ وتزغلل الدنيا في ناظريها وتغم عليها نفسها، ولكنها تضغط على نفسها - بجبروت - وتقاوم وتنحني وتعمل.
Bog aan la aqoon