وشاع أنه الوحيد الذي نجا من الشوطة، فأطلق عليه «عاشور الناجي». وتحمس الجميع لإغداق الثناء عليه لجوده وإحسانه وعطفه. كان راعي الفقراء، يتصدق عليهم، ولم يقنع بذلك؛ فكان يشتري الحمير ويسرح بها العاطلين، أو يبتاع لمن يريد عملا السلال والمقاطف وعربات اليد، حتى لم يبق عاطل واحد في الحارة عدا العجزة والمجاذيب.
الحق أنه لم يعرف عن وجيه من قبل مثل ذلك؛ لذلك رفعوه إلى مرتبة الأولياء، وقالوا إنه لذلك نجاه الله من دون الآخرين.
وهدأ عاشور واستكن ضميره الحي، وشرع في تحقيق أحلام كانت تراوده من قبل، فجاء بعمال لتنظيف الساحة والممر، وتطهيرها من تلال الأتربة والزبالة، وشيد حوض مياه الدواب، والسبيل، والزاوية، تلك المعالم التي رسخت في وجدان حارتنا مثل التكية والقبو والقبور والسور العتيق، وبها وبه صارت الحارة جوهرة الحي كله.
50
ترامت إلى أذنيه حركة غريبة آتية من ناحية الخمارة!
كان في طريقه إلى الحسين فتوقف . رأى عمالا يرممون المكان ويعدونه لحياة جديدة. مال نحو المدخل، ثم تساءل بصوت مرتفع: لحساب من تعملون؟
فجاءه صوت من ركن مظلم إلى يمين الداخل يقول: لحسابي أنا يا سيد الحارة!
وبرز درويش من الظلام فتراءى أمامه. دهمته قشعريرة مفاجئة مختلطة بوثبة غضب. هتف: أنت حي يا درويش!
فقال حانيا رأسه بامتنان: بفضلك يا سيد الحارة!
ورآه في حاجة إلى إيضاح، فقال بنبرة لم تخل من سخرية: عملت بحكمتك فهاجرت إلى الخلاء، لم أكن بعيدا عنك طيلة الوقت.
Bog aan la aqoon