فرمقه بازدراء، فعاد درويش يقول: حتى بيوت الأعيان لم تسلم، ها هي ذي حرم البنان توفيت صباح اليوم!
فقال عاشور وهو يمضي: إذن فهو غضب الله!
31
تفاقم الأمر واستفحل.
دبت في ممر القرافة حياة جديدة. يسير فيه النعش وراء النعش. يكتظ بالمشيعين، وأحيانا تتتابع النعوش كالطابور. في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد. لا يفرق هذا الموت الكاسح بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل. إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء. وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار. ولهجت أصوات معوجة بالأوراد والأدعية والاستغاثة بأولياء الله الصالحين.
ووقف شيخ الحارة عم حميدو أمام دكانه وضرب الطبلة براحته، فهرع الناس إليه من البيوت والحوانيت.
وبوجه مكفهر راح يقول: إنها الشوطة، تجيء لا يدري أحد من أين، تحصد الأرواح إلا من كتب الله له السلامة.
وسيطر الصمت والخوف، فتريث قليلا، ثم مضى يقول: اسمعوا كلمة الحكومة.
أنصت الجميع باهتمام. ترى أفي وسع الحكومة دفع البلاء؟! - تجنبوا الزحام!
فترامقوا في ذهول. حياتهم تجري في الحارة، والحرافيش يتلاصقون بالليل تحت القبو وفي الخرابات، فكيف يتجنبون الزحام؟ ولكنه قال موضحا: تجنبوا القهوة والبوظة والغرز!
Bog aan la aqoon