15
وبالعمل اكتسب ثقة وعزة. مضى يتشبه بالرجال فربى شاربه، وطوق رأسه باللاثة، وعرف طريقه إلى الزاوية فتوثقت صلته بالشيخ سيد عثمان. وكان يجلس في القهوة ساعة من الليل فيشرب القرفة ويدخن البوري، ثم لا يرجع إلى جدته حتى يطوف بالساحة؛ فقد أدركه عشق الأناشيد.
16
واضطرمت أعصابه بألم مجهول. وفاض قلبه بالحنين، وتلظى بلهب خفي. مناظر النساء سحرته، أصواتهن أرعشت قلبه. ومن أقرانه تلقى سيلا من دعوات الإغراء للتعرف إلى البوظة والغرزة وبيوت الدعارة، ولكن الماضي كان يصرخ في أذنيه محذرا. الماضي المرهق بذكريات المئذنة والانحرافات والشهوات التي قضت على أصالة أسرته. وكأن جدته كانت تقرأ أفكاره فقالت له ذات يوم: آن لك أن تتروج.
وطرب للفكرة ووجد فيها الخلاص المنشود.
ولكن سرعان ما اكفهر الأفق وأنذر بعواصف لا تخطر على البال.
17
جاءت الهمسات من خارج الحارة حاملة نذرا من نوع غريب. قالت إن فيضان ذلك العام شحيح أو أنه لن يأتي. ما معنى ذلك يا ترى؟ قالت إنها الويلات تتلاحق حتى لا تبقي على شيء. حقا؟ سيندر الطعام، وربما اختفى تماما، والعاقل من يخزن اليوم ما يتبلغ به غدا. وعمل بالحكمة القادرون، وترامق الحرافيش وهم يضحكون، ولم يصدقوا أنهم سيحرمون من اللقمة التي ينتزعونها بالعرق، أو يتصدق بها عليهم المتصدقون.
وامتلأ الجو بالطنين، واصطبغ بصفرة منفرة، فزحفت أشباح القلق بالليل والنهار.
18
Bog aan la aqoon