ونقل عينيه بارتياب بين المرأتين وتساءل: ماذا يحدث وراء ظهري؟!
38
تصور أنه لائذ بدار كريمة العنابي. أفضى بظنونه إلى شيخ الحارة مجاهد إبراهيم. وقام الرجل بتحرياته ثم قال له: لا أثر لسماحة في حارتنا!
وأيقن أن الله يعاقبه على جريمته. عليه أن يكفر عن جريمته كما كفر عن جرائم الآخرين، ولا يبعد أن يقتله الفتى ذات يوم. لم لا؟ إنه لا يحسن بهذه الدنيا ظنا. وألقى على المئذنة نظرة وحشية وتساءل: لم يبقون على هذه اللعنة قائمة؟!
39
لم يعثر على أثر لسماحة رغم أن شمس الدين أوصى جميع السواقين عنده باليقظة والتحري. ها هو الفتى يمضي في أثر المختفين من رجال الأسرة ونسائها. وتتلاحق الأعوام. أما عفيفة فقد ماتت في أعقاب مرض طويل، وأما نور الصباح فقد أمرت الأيام ما كان منها حلوا. ومضى شمس الدين يحمل أثقاله، ويغمغم كلما حزبه ألم: «أمرك يا رب.»
40
ولكن غيبة سماحة لم تدم كما دامت من قبل غيبة عاشور أو قرة. رجع إلى الحارة ذات يوم وقد بلغ رشده، بلغ رشده ولكنه فقد أشياء ثمينة لا تعوض.
امتلأ جسده بالقوة والشراسة. اختفى جماله وراء غلالة من التجهم ونسيج متقطع من الكدمات والعاهات المستديمة. أكان يعاشر قطاع الطرق؟ حتى أبوه لم يعرفه لأول وهلة. ولما اكتشف حقيقته واجتاحته موجة من السرور والأسى، اضطرب بين الشكر والحنق. تمزق بين الحب والسخط. وتبادلا النظر طويلا في الحظيرة بين السواقين والحمير. وتنحى به جانبا وسأله بإشفاق: ماذا فعلت بنفسك؟
وجعل يرددها والآخر صامت مستغنيا بمنظره عن أي بيان. وسأله: بددت النقود؟
Bog aan la aqoon