334

واختفى شاور وجاريته هربا من غضب الخلق. واقترح كثيرون هدم المئذنة، ولكن الأغلبية خافت أن يكون الجني قد سكنها حقا، فيخشى على الحارة من هدمها أن يلحقها من الأذى ما لا يدريه بشر. هكذا تركت، يتجنبها القوم، يلعنها الرائح والغادي، تمتلئ جوانحها بالحيات والخفافيش والعفاريت.

5

وقال الحرافيش إن ما حل بجلال هو الجزاء العادل لمن يخون عهد الناجي العظيم. من ينسى دعاءه الخالد بأن يهبه الله القوة ليجعلها في خدمة الناس. وعندما يخون حفدة الناجي عهده تحل بهم اللعنة ويفتك بهم الجنون. حتى المعلم عبد ربه ناله من ازدراء الحرافيش ما ناله، وكذلك المعلم راضي، ولم يغن عنهما مالهما الغزير.

6

وعاشت زينات الشقراء فترة من الرعب والترقب، ولكن أحدا لم يشر إليها باتهام، حتى من ساوره شك في دورها تغاضى عن ظنونه حامدا لها فعلها المجهول. ولم تنعم المرأة بانتقامها؛ فعاشت وحيدة زاهدة بلا قلب ولا راحة.

واكتشفت عقب موت جلال بفترة من الزمن أن حبهما قد خلق في بطنها ثمرة، فحرصت عليها بقوة حبها الخالد، وملكها شعور بالفخار رغم أنها ثمرة غير مشروعة. وأنجبت ذكرا فسمته جلال بكل جراءة وصراحة متحدية به التقاليد.

7

ووهبته حبين؛ حب الأمومة، وحب العاشقة الخالدة لأبيه الراحل. ونشأ جلال في أحضان أمه حياة متواضعة، آثرتها أمه على العودة إلى حياة الغانيات، ولم تنس قط أنه الوريث الحقيقي لتركة جلال الخيالية. وسعت إلى المعلم عبد ربه، ثم إلى المعلم راضي، لينزلا للصغير عن شيء من ماله، ولكنهما قاطعاها بحدة دلت على أنهما يتهمانها بدور فاصل في مصرع جلال. وقال المعلم راضي: امرأة مثلها كيف تعرف من يكون أبا لابنها؟!

8

وترعرع جلال كابن من أبناء الحارة، مجهول النسب، يشار إليه باعتباره ابن حرام، كما كان يشار إلى أبيه باعتباره ابن زهيرة. ولكن نموه المطرد أثبت لكل ذي عينين أنه ابن جلال دون غيره. أجل، لم يكن له قوته ولا جماله ولا عملقته، ولكن لا يخطئ أحد في ربط الصورة المتواضعة بالأصل البائد.

Bog aan la aqoon