296

ولم يبق لجلال من ثروته إلا الفرن، ومن الماضي إلا ذكريات أليمة، حتى بسمات المجاملة فوق الشفاه لا تخدعه؛ فهو على يقين من أن وراءها تتلاطم همسات السوء عن أمه الجميلة، ولكن المستقبل يعد بخير كثير لمن كان في مثل قوته وجماله، وصورة قمر بنت عزيز تعد أيضا بأعذب الآمال.

15

كان يجلس في العصاري أمام الفرن يراهن على ديكه في مصارعات الديوك، تلك كانت هوايته المفضلة. ويرنو أحيانا بهيام إلى قمر وهي جالسة إلى جانب ألفت هانم في الدوكار، ويتذكر عهد صباه، وتردده على دار عزيزة هانم، وملاعبته لراضي وقمر، تلك الأيام السعيدة. ولكنها انقطعت بسرعة عندما أنس من عزيزة وألفت فتورا في استقباله. لماذا احتضنتا راضي ونفرتا منه، على حين أنهما معا ابنا زهيرة؟ لا سبب إلا احترام وصية المعلم عزيز من ناحية، والشبه الملموس بين وجهه ووجه المرحومة أمه، فهو يذكر المرأتين بالراحلة المقيتة.

وتبقى بعد ذلك الهوة الفاصلة بين فران سيئ السمعة مثله، وبين كريمة المعلم عزيز ذات الأصل والأبهة. ولكنه يحبها حبا ملك عليه حواسه وعقله، ويلمس في نظرة عينيها المتألقتين استعدادا طيبا وميلا واضحا، فهل يتهيب حظه السعيد كالجبناء؟!

16

وأدرك ما فعله أبوه بثروته فعاتبه على ذلك معاتبة ساخنة. ومنعه من التدخل في العمل وهو يقول: ستعيش راضيا مكرما.

ولكن أباه كان مصدر إزعاج لا ينتهي. إدمانه الخمر مهلك للصحة والكرامة. يسهر كل ليلة في البوظة، ويتسلى ببث شكاته من ابنه، يقول: يعاملني كما لو كنت أنا الابن وهو الأب، يحاسبني حساب الملكين.

أو يتساءل وهو يقهقه: هل سمعتم عن ابن يزجر أباه لأنه يروح عن نفسه بقرعة أو قرعتين؟

وكان يتكلم بحب لا عن حقد، ويمضي في التساؤل: هل نسي وصية ربنا بالوالدين؟

وعجز جلال عن أن يجعل من أبيه رجلا محترما. وقد أراد ذلك عن حب من ناحية، ورغبة في محق عقبة من العقبات التي تعترض طريق حبه من ناحية أخرى. وحزن عبد ربه لإساءته غير المقصودة لابنه الجميل. قال له مرة كالمعتذر: أمك كانت السبب. انظر إلى نهايات من أحبوها من الرجال.

Bog aan la aqoon