وفصل جملها في الدنيا، وخلق عباده غير ممتنعين من (حب) (1) الاستكثار منها والانغماس فيها والادخار لها، ثم نعبدهم تعالى في ذلك بخلاف ما في طباعهم وما عليه فطرة خلقهم، فأمرهم بأن يأخذوا الأشياء من وجوهها المباحة التي حللها، يعدلوا عما خطر عليهم منها، ولم يأمرهم بشئ مما يحاربون فيه عواصي طباعهم، ويجاهدون نوازغ (2) نفوسهم، إلا وقد جعل فيهم من القوى والقدر (3) والاعتصام والجلد شككا (4) قوية وأسلحة معنية (5): يمتنعون بها في حرب الطباع، على قراع الشيطان، لأنه تعالى لم يأمرهم بشئ إلا وقد جعل لهم الطريق إلى تركه.
2 - وقول آخر. قال بعضهم:
معنى [زين للناس حب الشهوات]؟. يقول: زين لهم الشيطان حبها، لان الله سبحانه قد نهى عنها وزهد فيها، وقد قال الحسن البصري: ما نعلم أحدا أشد ذما لها من الذي خلقها، فكأن الشيطان دعاهم إلى موافقة طباعهم، فأتبعوا أمره، وخالفوا أمر الله سبحانه، وذلك كما يقول الرجل: زينت فلانا في عين الأمير، إذا اثنى عليه عنده، وقربه من قلبه، وأحسن محضره في عينه، وقد قال سبحانه: [وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم] (6) فالأولى أن ينسب التزيين إلى من عادته التزيين، وهو الشيطان، وينسب التزهيد
Bogga 49