ولم يكن للدعوة إلا معنى واحد، فتساءل علي أفندي؛ ترى كيف يتخلص من الآنسات؟ ولكن السيدة لم تعمل لذلك حسابا؛ فعند انتهاء التمثيل عادت السيارة بهم جميعا، وودعهما الفتيات عند مبتدأ شارع خمارويه، ثم سارت بهما السيارة وحدهما إلى القصر السعيد، فأيقن أنه رغم طول تجاربه جاهل بالنساء، وأنه لم يعرف قبل الآن امرأة مغرمة بالفضائح!
وكانت ليلة ... •••
وبعد يومين ذهب علي أفندي جبر إلى زيارة المعرض الرابع عشر للفنون الجميلة. لم يكن من الهواة، ولكنه كان من محبي الظهور والادعاء، وكان حبه للنساء يدفعه إلى ارتياد الأماكن التي يحتمل وجودهن بها، فمضى يسير في الحجرات الأنيقة وينظر بعينين فاترتين إلى اللوحات، حتى استرعت انتباهه من بينها صورة فلاحة عارية تستحم في النيل، وقد أجادت الريشة تصوير قدها النحيف وثدييها الناهدين، وأضفت على سمرة بشرتها سحرا شهويا عجيبا، فوقف أمامها طويلا لغير وجه الفن، وذكر - لرؤيتها - ذلك الجسد البض المكتنز، والردفين المكورين كأنهما إسفنجة هائلة مشبعة بالماء، والساقين الممكورين، والبشرة العجيبة ذات الرائحة الزكية؛ ذكر ذاك الحسن الذي رمي به الحظ بين يديه قضاء وقدرا .. أي ليلة جميلة كأنها حلم لذيذ، لا يجود بمثلها عالم الحقائق. وكأنه أراد أن يتأكد أنه حقيقة لا حلم، فأخرج مذكرته وقرأ فيها الموعد المنتظر الذي كتبته بيدها الرخصة.
وكأنما المصادفة لم تقنع بما أتت من عجب عجاب، فإنه لفي تأمله وتذكره إذ أحس بيد توضع على كتفه، فالتفت إلى الوراء فرأي صاحبته الجميلة واقفة بين جماعة من السيدات الأرستقراطيات، واستولت عليه الدهشة وعلاه الارتباك. أما السيدة فقد التفتت إلى صواحبها وقالت بتيه: ائذن لي أن أقدم إليكن صديقي الأستاذ محمد نور الدين سيد شعراء الشرق.
فابتسمن إليه بترحيب إلا واحدة رددت النظر بينه وبين الأرملة، وقالت ضاحكة: يا لها من نكتة بارعة يا سيدتي!
فسألتها السيدة: أي نكتة تعنين يا سيدتي؟
فلم تحفل السيدة بإنكار الأرملة الجميلة، وقالت وهي تحدج علي أفندي بنظرة استغراب: رحماك يا ربي، الآن صدقت قول القائل: يخلق من الشبه أربعين!
فاحتدمت الأرملة غيظا وقالت: إني لا أفقه لما تقولين معنى. - بلي تفقهين كل المعنى وتريدين أن تضاحكينا، والحق أن الشبه الذي بين شاعرنا المجيد وحضرة البك شبه عجيب.
فاشتد الغيظ بالأرملة، والتفتت إلى علي أفندي وقالت: تكلم يا أستاذ لتعلم عصمتها أني لا أهزل.
وكان علي أفندي في حالة يرثى لها، وقد خانته جسارته تلقاء نظرات السيدة الجريئة التي لا شك تعرف الشاعر الأصلي تمام المعرفة، فلم يجد مناصا من الهرب، فتظاهر بالدهشة، وابتسم إلى الأرملة البائسة وقال: معذرة يا سيدتي .. يخلق من الشبه أربعين.
Bog aan la aqoon