395

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Gobollada
Aljeeriya

" من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "

ويحتمل أنه قال { ومن تأخر فلا إثم عليه } ، لأنه قد يتوهم متوهم من قوله فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه أنه من لم يجر على هذه الرخصة يأثم، فنفى عنه الإثم لمجانسة الأول، ومعلوم أن العبادة إذا لم تفسد يكون لها ثواب، فلم يكن إشكال، فإن نفى بقوله { ومن تأخر فلا إثم عليه } ، ويجوز أن يكون المعنى ومن تأخر فله ثواب على تأخره، ولكن عبر بنفى الإثم فى التأخير مؤذن بصحة التأخر، فلصحته ثواب، لأنه عبادة ويحتمل أن يكون كناية عن تجويز الأمرين، فإن الحرام هو ما فيه الإثم لا ما لا إثم فيه، وعن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان يقول من أدركه الليل من اليوم الثالث فلا ينفر حتى يرمى الجمار اليوم الثالث. وعن الحسن من أدركته صلاة العصر فلا ينفر إلى اليوم الثالث. ومذهب الشافعى أنه يجوز له النفر بعد الزوال قبل الغروب من اليوم الثانى، وإن غربت عليه الشمس وهو بمنى لزمته المبيت بها لرمى الجمار، ونسب لأكثر الفقهاء، وقال أبو حنيفة يجوز له أن ينفر ما لم يطلع الفجر، لأنه لم يدخل وقت الرمى بعد، ورخص للرعاة وأهل سقاية الحج ترك المبيت بمنى ليالى منى، وأهل مكة كغيرهم فى التعجل والتأخر على الأصح، وقيل يجب عليهم التأخر. { لمن اتقى } خبر لمحذوف، أى ذلك المذكور من الأحكام كلها أو من جواز التعجل والتأخر لمن اتقى الله فى أمره ونهيه، لأنه الحاج على الحقيقة المنتفع بحجته، أو ذلك لأجل المتقى وهو المتحرز المتحفظ عن كل ما يبطل عمله أو يضعف ثوابه، فلا يغتم بالوسواس، فإن واحدا من التعجل والتأخر مؤثم له، ويجوز أن يكون مفعولا لمحذوف، أى أخاطب بذلك من اتقى خطابا، فتاب خطابا عن خطاب، فقوى العامل باللام لضعفه بالحذف، أو لكونه مصدرا إن قلنا العامل خطاب، ثم حذف خطاب، وقيل التقدير ذلك المذكور من نفى الإثم، ثابت لمن اتقى فى حجه ما نهى عنه ومن قتل صيد وإلقاء تفث وغير ذلك، أو ثابت لمن اتقى المعاصى وتحرر عنها، وأشفق منها فيما بقى من عمره، ولو وقع فيها أقلع وأشفق وأخذ حذره فإنه المنتفع بحجه، وكم من أمر عام خص به أحد بأنه المنتفع به، فإن الإثم بالتعجل والتأخر منتف عن كل أحد، ويجور أن يقدر ذلك مفعول لمن اتقى أى فى من اتقى المعاصى، أو ما نهى عنه فى الحج أو مفعول له خطاب له أو لأجله، أو خاطبت به من اتقى خطاب.

{ واتقوا الله } بعد الحج بأداء الواجبات وترك المحظورات ليعبأ بكم الله. { واعلموا أنكم إليه تحشرون } تجمعون إليه لا إلى غيره بالبعث للجزاء، وفيه الحث على التقوى، ولينتفعوا بجحهم وأعمالهم.

[2.204]

{ ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا } لفصاحته وحلاوته، ولا يعجبك فى الآخرة لما يعتريه من الدهشة وانحباس لسانه لرؤيته العقاب على عمله، أو لأنه لا يؤذن له فى الكلام، أو لمخالفة قوله لاعتقاده، ومعنى يعجبك يحسن فى قلبك ويعظم فيه، ومن الشئ العجيب الذي يعظم فى قلبك، ومنه التعجب، لأنه حيرة تعرض للإنسان من عظم الشئ لجهله بالسبب، وإن شئت قلت حالة تعرض للإنسان من عظم الشئ لجهله بالسبب، وإن شئت فقل التعجب استحسان الشئ والميل إليه والتعظيم له. نزلت الآية فى الأخنس بن شريق الثقفى حليف بنى زهرة، وإنما سمى الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بنى زهرة، عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه أشار على بنى زهرة بالرجوع يوم بدر، وقال لهم إن محمدا إبن أختكم فإن يك كاذبا كفاكموه الناس، وإن يك صادقا كنتم أسعد الناس به، قالوا نعم ما رأيت قال فانى سأخنس بكم فاتبعونى، فخنس فسمى الأخنس بذلك، وكان حلو الكلام حلو المنظر، وكان يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويظهر الإسلام ويقول إنى أحبك ويحلف على ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى مجلسه وكان الأخنس منافقا، قال السدى نزلت فى الأخنس بن شريق، أظهر الإسلام، ثم هرب، فمر بقوم من المسلمين فأحرق لهم زرعا وقتل حمرا، وكذا قال الطبرى والداودى أنها نزلت فى الأخنس بن شريق، وقال عياض ما ثبت قط أن الأخنس أسلم، قلت يحتمل أنه أراد ما ثبت عنده، ولا ينافى ثبوته عند غيره، ويحتمل أنه أراد ما ثبت أنه أسلم إسلاما بلا نفاق، فلا ينافى أنه أسلم ونافق، فإن بعضا يسلم ويخلص، وبعضا يسلم وينافق، وبعضا يسلم بلا نفاق، ثم يرتد، وقال قتادة وجماعة نزلت الآية فى كل مبطن كفرا ونفاقا أو كذبا أو ضرارا، ويظهر بلسانه خلاف ذلك، وكأن ألسنتهم حلوة وقلوبهم مرة كالصبر، وفى الحياة متعلق، بيعجب، كما تعلم من تفسيرى أول الآية، ويجوز تعليقه بالقول، فمعنى قوله { فى الحياة الدنيا } يكلمه فيها أى كلامه الذى يتكلم به فى حياته، أو تكلمه فى أمور الدنيا، وأسباب المعاش، أو نكلمه فى ذم الدنيا والزهد فيها والرغبة عنها، كما هو شأن مدعى الإيمان والمحبة، وكان - لعنه الله - يلين القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعى أنه مسلم. { ويشهد الله على ما فى قلبه } يقول الله شهيد أنى مؤمن فى قلبى كما فى لسانى، ويحلف على ذلك بالله تعالى، ويجوز أن يكون المعنى يشهد الله فى نفسه فى مخالفة قلبه للسانه، سمى بقاءه على النفاق إشهاد الله للتلازم، لأنه يلزم من بقائه على النفاق شهادة الله عليه به، ويحتمل أن يكون المعنى يقول لله أشهد على للعباد بما فى قلبى من النفاق، وأخبرهم به فيبعث الله منه عملا يعرفه الناس به سمى بقاءه على والنفاق وإصراره عليه طلبا لشهادة الله عليه وإخباره العباد بما فى قلبه، للتسويف التلازم الجملى وقرأ ويشهد الله بفتح الياء والهاء، ورفع اسم الجلالة وقرأ ابن مسعود ويستشهد الله بنصب اسم الجلالة.

{ وهو ألد الخصام } شديد الخصومة لك وللمؤمنين، لعداوته لكم رجل ألد والتدد ويلتدد شديد الخصومة، يلوى الحجج فى كل جانب كمن يمشى فى واد منحرف، ويتبع لديد الواد إلى منحرفه وألد والتدد ويلتدد صفات متشابهات، والخصام مصدر بمعنى الخصومة، وكان خصامه جدالا بالباطل والكذب لقسوته فى المعصية يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطئة. روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم

" أن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم "

، يعنى الشديد فى الخصومة، وقول مجاهد ألد الخصام ظالم تفسير بالمعنى والإضافة بمعنى فى، ويجوز أن تكون من إضافة، الصفة إلى فاعلها، فالمعنى وهو خصام شديد، ويجوز أن يكون اسم تفضيل، والخصام غير مصدر، بل جمع خصم والخصم وصف، كقولك صعب وصعاب، وإن قلت لم لا يصح أن يكون اسم تفضيل إذا جعلنا الخصام مصدرا، قلت لأن اسم التفضيل إنما يضاف لما هو بعضه والإنسان ليس بعض الخصومة، وإن قدر مضاف صح ذلك، أى ألد ذوى الخصام، ولا يصح أن يقال الضمير عائد إلى الخصام على معنى خصامه أشد الخصام، لأنه لم يتقدم للخصام ذكر قبله، بل يصح أن يقال الضمير لذلك المنافق كما لا يخفى ويقدر مضاف، أى خصامه أشد الخصام.

[2.205]

{ وإذا تولى } انصرف عنك بعد إظهار المحبة وإلإنة القول، أو صار واليا لغلبته. { سعى فى الأرض } مشى فيها مشيا فيه بعض سرعة خفيفا، أو ذلك عبارة عن الاجتهاد والتشمير فيما يذكره من الإفساد والإهلاك. { ليفسد فيها } بقطع الأرحام وسفك دماء المسلمين، وأكل الأموال بالباطل، وتزيين الشرك وغير ذلك من المعاصى، قال ابن جريح يدير الدوائر على الإسلام، وقال ابن عباس يقطع الطريق ويفسدها، وإذا صار واليا، أى مستوليا بالغلبة فعل ما تفعله أولياء السوء. { ويهلك الحرث والنسل } الحيوان لأنها منسولة، أى مولودة، ولو كانت كبارا كما مر أنه مر بقول من المسلمين، فأحرق لهم زرعا، وقيل حمرا. قال ابن جرير الطبرى المراد الأخنس فى إحراقه الزرع وقتله الحمر، وذكر أنه خرج إلى الطائف يطلب دينا له كان غريم فلم يعطه، فأحرق له حرثا وعقر له أتنا وهى إناث الحمر، وذكر أنه كان بينه وبين ثقيف خصومة فيتهم ليلا فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، وبينه وبينهم رحم. ويجمع بين ذلك كله بما هو قول واحد، وهو أن الإهلاك كان ليلا، وأن صاحب الحرث والنسل كان مسلما ثقيفيا رحما للأخنس غريما له، وأن النسل إناث الحمر، وسأل رجل من بنى تميم ابن عباس عن قوله عز وجل { ويهلك الحرث والنسل } ، قال نسل كل دابة، ونسل كل حرث، بأنه يعمل بالظلم ظاهرا، ولا يمنع منه فيمنع الله سبحانه بشؤم ظلمه القطر، فيهلك الحرث والنسل، بمنع القطر، واستظهر بعض أن يكون إهلاك الحرث والنسل عبارة عن المبالغة فى الإفساد، وعطف يهلك على يفسد عطف خاص على عام، وقد تقدم لك قول إن الآية عامة فى كل متصف بالنفاق وتلك الصفات، والظاهر نزولها بسبب الأخنس خصوصا ومعناها عام وقرأ يهلك بفتح الياء وضم الكاف، ورفع الحرث والنسل على الفاعلية، فالعطف على سعى وكذا يكون العطف على سعى فى قراءة الحسن، ويهلك بفتح الياء واللام، وضم الكاف رفع الحرث والنسل لغة من يقول هلك يهلك بفتح اللام فى الماضى والمضارع كأبى يأبى وفى قراءته الأخرى المروية عنه يهلك بالبناء للمفعول والرفع فيه وفى الحرث والنسل. { والله لا يحب الفساد } أى لا يرضاه ولا يبيحه، قال ابن عباس لا يرضى بالمعاصى فمن فعلها استوجب غضبه، وحب الله الشئ الرضا به مع الأمر به إن كان مما يتعبد الخلق بالأمر به، فقد يرضى شيئا ويأمر به فلا يمتثله المكلف به خلاف إرادته، فإنها لا تتخلف، لأن فيها معى القضاء وقد يريد شيئا ولا يحبه، فإن المعصية من العاصى قد أرادها بمعنى قضاها عليه وخلقها ولا يحبها، بمعنى لا يرضاها ولا يبيحها كالإنسان يريد الدواء ولا يحبه ممدوح من جميع جهاته معظم، ولا يستلزم الإرادة ذلك وإن شئت فقل محبة الله الشئ مدحه وتعظيمه فلا دليل للمعتزلة فى الآية على قولهم الحب والإرادة بمعنى واحد، ولو استدلوا بها ونسب قولهم إلى المتكلمين أيضا، ولا يصح تفسير الحب فى الآية بالإرادة، لأن الفساد واقع وما أراد الله عام وقوعه لا يقع إلا أن يقال المعنى لا يريده من أهل الصلاح أو لا يريده دينا.

Bog aan la aqoon