257

Hamayan Zad

هميان الزاد إلى دار المعاد

Noocyada

{ وإذ جعلنا البيت } الكعبة، غلب لفظ البيت عليها كما غلب النجم على الثريا، والكتاب على القرآن فى مواضعه، والكتاب أيضا على كتاب سيبويه فى مواضعه. { مثابة للناس } أى مرجعا لهم يأتونه من كل جانب للحج، رفيعهم ووضيعهم، من ثاب يثوب بمعنى رجع بمثلثة، كتاب يتوب بمثناة، أو موضع ثواب لأن لهم ثوابا على قصد الحج أو عمرة وطواف، وعلى كلا الوجهين هو اسم مكان، وتأنيث أسماء المكان والزمان والمصدر الميميات يحفظ ولا يقاس عليه، وإن قلت كيف يصح الوجه الأول وهو التفسير بالمرجع، فإنه لا يصدق بمن لم يأته قط، ثم أتاه؟ قلت استعمالا للمقيد فى المطلق، فإن أصل الرجوع الإتيان إلى الشئ بعد الانصراف عنه، استعمل فى مطلق الإتيان. ولك وجه آخر هو أن المراد الإشعار بأن البيت رغبة للناس يأتونه ويرجعون إلى أهليهم، ثم يأتونه، ويجوز أن يكون المعنى مجمعا لهم، من ثاب يثوب ثبة بمعنى اجتمع، وهو أيضا اسم مكان شاذ بالتاء، ثم رأيت الوجه الأول قولا للكلبى، ووجه آخر ضعيف هو أن يكون بمعنى موضع التائبين عن الذنوب، أو موضع التائبين أى الراجعين يرجعون إليه، وهو كذلك اسم مكان شاذ بالتاء، ويجوز أن يكون على تلك المعانى كلها مصدرا ميميا بمعنى مفعول، أى مرجوعا إليه مثوبا على قصده بالجنة، أو مجموعا فيه، أو مرجوعا فيه عن الذنوب، أو يقدر مضاف أى ذا رجوع أو ثواب أو اجتماع، ويدل للمصدرية قوله تعالى { وأمنا } فإنه مصدر على تقدير مضاف، أى موضع أمن، فهو بمعنى اسم مكان أو ذا أمن، ويحتمل جعل من باب المبالغة كأنه نفس لفرط الأمن الملتجئ إليه، ومن هو فى حرمه كما سماه أيضا آمنا فى قوله جل وعلا

حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم

كان المشركون لا يتعرضون لأهل مكة، ويقولون هم أهل الله. قال ابن عباس أمنا معاذا وملجأ، ومن رواية الربيع بن حبيب بن عمر، وعن أبى عبيدة عنه صلى الله عليه وسلم فى شأن مكة

" أنها حرام لحرم الله، لم تحل لأحد قبلى لا تحل لأحد بعدى، وإنما أحلت لى ساعة من نهار " فغمزها النبى صلى الله عليه وسلم بيده، فقال " لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا تحل لقطتها إلا لمنشدها ولا يختلى خلاها " فقال له العباس عمه، وكان شيخا مجربا، إلا الأذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للقبور، ولظهور البيوت، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم قليلا، فقال " إلا الأذخر فإنه حلال "

وكذا روى البخارى ومسلم عن ابن عباس

" أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيدة ولا يلتقط لقطتها إلا من يعرفها ولا يختلى خلاه ". قال العباس يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم وبيوتهم قال " إلا الأذخر "

ومعنى قوله للقبور إنه يسد به الخلل، لكن قال القسطلانى فى إرشاد السارى على صحيح البخارى المراد بالقبور اللحود، واستثنى بعضهم ما يؤذى من الشوك، فأجاز قطعه، ومعنى لا تحل لقطتها إلا لمن يعرفها أنه لا يأخذها الإنسان إلا بنية أن يعرفها على الدوام، بخلاف لقطة غيرها فإنه يحل أن يأخذها على أن يعرفها، وأنه إن لم يجئ صاحبها استنفع بها على شرط الضمان لصاحبها إذا جاء يعرفها فى مجمع الناس، وقيل ثلاثة أيام، وقيل ستة وبسطت المسألة فى الفقة. والخلا بالقصر الحشيش الرطب، وجاز قطع ما تيبس منه ومن الشجر، وقوله لقينهم، القين الحداد، ومعنى لقبورهم أنه تسد به فرج اللحد فمكة أمن للناس والوحش والطير، والخلا الشجر، جعل الله سبحانه وتعالى حرمة فى النفوس بحيث يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال إذا أصاب الرجل حدا ثم لجأ إلى الحرم فلا يجالس ولا يطعم ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم، فإذا خرج أقيم عليه الحد، وإذا أصابه فى الحرم أقيم عليه فيه. وبذلك نقول نحن والحنفية. وقيل إن ذلك فى الجاهلية، وأما فى الإسلام فتقام فيه الحدود، ولو التجأ إليه. وفى رواية للبخارى إلا الأذخر لصاغتنا وقبورنا، والصاغة جمع صائغ. قال عكرمة هل تدرى ما لا ينفر صيدها هو أن تنحيه عن الظل تنزل مكانه، قلت الظاهر ما ذكره النووى من أنه إزعاج عن موضعه، وقيل كناية عن اصطياده، وعنه صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حرم مكة، وأنا أحرم المدينة ما بين لابتيها، واللابة بتخفيف الباء الحجارة السود، ولا ينافى هذا الحديث أحاديث إن الله حرم مكة لأن معنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله، أو قضى الله أنه سيحرمها أو أنه أول من أظهر بتحريمها، وكان قبل ذلك عند الله حراما أول من أظهره بعد الطوفان، ومعنى تحريم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة على ظاهره بأن فوض الله تعالى إليه أن يحرم ما شاء أو المعنى أنه حرمها بأمر الله. وقرئ مثابات بالجمع، لأنه مثابة لكل أحد لا يختص به واحد سواء العاكف فيه والباد. { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } عطف على جعلنا أى واتخذ الناس من المكان الذى لبث فيه إبراهيم موضعا يصلون فيه أو إليه، وعلى الأخير فهو الكعبة، وذلك بفتح خاء اتخذوا عند ابن عباس ونافع وقال أبو عمر الدانى قرأ بالفتح نافع وابن عامر، وقرأ غيرهم بكسر الخاء على الأمر وإضمار القول المعطوف على جعلنا، أى وقلنا لهم اتخذوا، ويجوز عطف اتخذوا على اذكر، أى واذكروا إذ جعلنا البيت مثابة للناس، واتخذوا خطابا للأمة بأن يذكروا، إذ جعل البيت مثابة للناس، وأن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ويجوز عطفه على محذوف متعرض بين المعطوف عليه وهو جعلنا، والمعطوف وهو عهدنا، أى ثوبوا إليه واتخذوا، وأن يتخذوا، أى ارجعوا إلى البيت واتخذوا، ومن التبعيض فيكون المقام الحرام أو ما يلى المطاف، وكذا إن قلنا بمعنى فى، ويجوز على الوجهين أن يكون المطاف، لكن هذا على قراءة نافع فقط، كانوا يصلون فيه، فورد النهى، فقيل من صلة للتأكيد، ومقام مفعول، فيكون المقام الحرام أو ما يلى المطاف أو المطاف، وهذا على قراءة نافع، أو الحجر الذى جعل فيه قدميه حين بناء البيت، وحين دعى الناس للحج وفيه أثر قدميه، وقيل أثر أصابعهما فقط، فاندرس بالمسح بالأيدى، وقد اختلفوا فى المقام فقيل هو هذا الحجر، وصححه بعض، وإنما أمروا بالصلاة فيه لا بتقبيله ومسحه، وقيل الحرام كله وهو قول النخعى، ورواية عن ابن عباس وقيل مواقف الحج كعرفة ومزدلفة ومنى والمطاف، وهو قول عطاء، واتخاذها مصلى واتخاذها مقام دعاء، فإن الدعاء صلاة، ويدل على أنه الحجر المذكور ما يروى

" أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر فقال " هذا مقام إبراهيم " وقال عمر أفلا تتخذه مصلى؟ يعنى تبركا، به، فقال " لم أومر بذلك " فلم تغب الشمس حتى نزلت الآية "

وقيل المراد بالأمر اتخاذ مصلى من مقام إبراهيم الأمر بركعتى الطواف، كما يقال خذ مضجعك بمعنى نم، لما روى عن الشيخ هود ومسلم واللفظ له جابر بن عبد الله

" أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم، فصلى خلفه ركعتين، وقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } "

Bog aan la aqoon