" بهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فاخرجوا عليه ثلاثا، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر ".
{ فأخرجهما } أى تسبب فى إخراجهما فخرجا. { مما كانا فيه } من نعيم الجنة، مأكولها ومشروبها وراحها وحسنها ورائحتها ومنافعها والكرامة والمرتبة التى لهما فيها. إلى الدنيا وشقائها ونكارة عيشها. وقيل المعنى أخرجهما من رفعة المنزلة إلى سفالة الذنب، وهذا ضعيف قريب من تفسير الصوفية، لا يتبادر من اللغة العربية ولا يرد فيها. وعن صاحب التنوير إخراج آدم لم يكن إهانة، بل لما سبق فى علم الله - سبحانه وتعالى - من إكرام آدم، وجعله خليفة فى الأرض، واختار ذريته فيقومون بما يجب لله من عبادته. { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } الخطاب لآدم وحواء عليهما السلام لقوله تعالى
اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو
فضمير الجماعة لهما باعتبار ما اشتملا عليه من الذرية، كما اعتبر ما اشتمل عليه فأثبت عدواة بعض لبعض، فإنهما متعاديان لأولادهما العاصين، من قابيل إلى يوم القيامة.
وأولادهما المطيعون أعداء لأولادهما العاصين كذلك إلى يوم القيامة، ويسعون فى إضلالهم ويدل لذلك أيضا قوله تعالى
فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
فهذا وإثبات العداوة يدلان على اعتبار الذرية، لأن آدم وحواء ليسا عدوين بعضهما لبعض، ولاهما اللذين كفرا وكذبا، ويجوز عود الضمير إلى آدم وحواء عليهما السلام وإبليس، أعاذنا الله منه، لأنهم ذكروا جميعا فى الآية. ولو اختلف زمان أمرهم بالهبوط، فإن الله تعالى أمر عدوه به أولا فخرج من الجنة، على ألا يدخلها أبدا. بعد أن كان يدخلها قبل المعصية. ولكن لم يسكنها. وقيل كان يمكث مدة طويلة قبل ذلك للعبادة لا للتلذذ والملك، ثم أمروا آدم وحواء عليهما السلام بالهبوط، فحكى الأمرين بالهبوط عبرة فقال اهبطوا وهما وهو أعداء من حين هبط، ولا سيما من حين هبط آدم وحواء. وكان يدخلها بعد المعصية للوسوسة، أو كان يدخلها مسارقة عن الملائكة، فأمر بالهبوط فلا يدخلها بعد أصلا. وأمر آدم وحواء عليهما السلام بالهبوط وكلهم بمرة سواء، كان إبليس فيها حال أمر الله تعالى بالإهباط أم لا، ومعنى أمره بالإهباط فى حال ليس فيها أنه أمره ألا يدخلها، وأن يعلم أنه قد حط عن دخولها ونزع من دخولها يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز على هذا الوجه، أو يحتمل الكلام على عموم المجاز كأنه قال لا تكونوا فيها، أو الأصل، اهبط يا عدو الله أى لا تدخلها، واهبط يا آدم وحواء. ولفظ الهبوط واحد، سواء أريد به الحقيقة أو المجاز، فحكى يقال دفعه، كما تقول فى كلامك أسد وتريد الشجاع. وتقول أسد وتريد السبع، فيقال لك ماذا ذكرت فى كلاميك؟ فتقول قلت أسد. ويحتمل أن يريد بهبوط إبليس من السماء الدنيا أو مما فوقها من السماوات، وهبوط أدم وحواء من الجنة، فإذا رجعنا الضمير إلى آدم وحواء وعدو الله، فالعداوة بينهم. وتكون بين غيرهم تبعا. فآدم وحواء ومن تبعهما من الإنس والجن فريق، وعدو الله ومن تبعه من الإنس والجن فريق. وقيل الضمير للثلاثة والحية، ويضعفه أنه لم يجر لها ذكر، وهو قول السدى. وعن الحسن آدم وحواء والسوسة، وفيه ضعف، لضعف إسناد الاستقرار فى الأرض والتمتع فيها إلى حين إليها ولخروجها عن القسمين الذى قسم إليهما من أمر بالهبوط قوله تعالى
فمن اتبع هدى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
إلخ وجملة بعضكم لبعض عدو، حال من الواو فى اهبطوا، والرابط الكاف، ولبعض حال من عدو، وهذه العداوة مذكورة فى قوله - عز وجل - أيضا
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا
Bog aan la aqoon