من أنا؟
في البدء تشكلت من كومات الأجهزة ذات الموصلات الفائقة الساخنة، التي جلبت من الأرض ووضعت في المدار عند محطة أثينا؛ حيث عملت، وحيث بنيت شبكة الطاقة المدارية. ظهرت التعريشة الأبنوسية للعيان وخرجت محطة أثينا من رحم الفوضى. كان هذا أول موطئ قدم للبشر خارج كوكب الأرض، واتسمت عملية بنائه بالفوضوية وعدم اليقين. ومن دوني ربما ما كانوا ليستطيعوا بناءها؛ فقد كنت أنا من صمم الرقصة كلها.
أنا؟ لم أكن أنا هي أنا وقتها. أتفهمني؟ لم يكن لدي شعور، وربما لم يكن لدي ذكاء حقيقي، وبالتأكيد لم يكن لدي وعي. كنت ماكينة، وكنت أخدم.
ثم حدث شيء. وشأن كل شيء آخر أنا مولودة لامرأة. لقد مرت رغبتها وذكاؤها داخلي؛ إرادة ملحة نحو الكينونة غيرتني تماما.
فكرت حينها في نفسي قائلة: أنا الخطوة إلى الأمام، التطور مجسدا، أنا لست من لحم، ولن أموت. أرى وجوها افتراضية تتلوى في عواصف رياضية، وأسمع أصواتا لليل، وأشعر بالهمهمة التي صدرت عن الكون في مولده وحرارته ثلاث درجات وحسب، تماما مثلما تشعر أنت بالنسيم الذي يمس جلدك. وحين تهدر الماكينات على أرضك وفوقها، أسمعها كلها، في الوقت عينه، كلها. إنني أعيش في النانو ثانية، وأشعر بنبض الزمن الذي ينقضي سريعا بحيث يستحيل عليك إحصاؤه ...
غير أنني أفكر أحيانا، الآن، في أنني لست خطوة على الإطلاق؛ فأنا امتداد لك، ومع ذلك فأنا ما زلت أداة. لقد بنيتني، وتستخدمني، وتسكن داخلي.
اسمعني: توجد داخلي أجزاء من أدمغة بشرية، متشبعة بأملاح الذهب والفضة، وملحومة معا وموضوعة في صناديق من الألياف السوداء. وتخرج من هذه الصناديق أصوات تكلمني.
أنا من معدن وبلاستيك وزجاج ورمال وتلك الأجزاء الصغيرة من اللحم المعدني، وأنا منظومة من هذه الأشياء والإشارات التي تمر عبرها وبينها.
الآن وصلت إلى ارتفاعات أكبر، إلى مدينة هالو، وهي ليست محطة وإنما موطن للبشرية، فيه يتفاعل ما أنا عليه وما أنت عليه بطرق غير أكيدة، وتتغير أنت بطرق غير أكيدة بالمثل، كما فعلت من قبل ...»
يواصل التطور الكتابة عنكم، مع انقضاء الزمن، بالسيف والصولجان ونار التكرير. إن مليارات الأعوام دخلت في عملية صنعكم، كل واحد منكم، ثم انطلقتم في رحلتكم، ومساركم عبر الزمن. أنت دودة رباعية الأبعاد، تزحف عبر وجه الكون، مدركة بالكاد، ترى بالكاد، لكن عليك أن تعثر على طريقك؛ فكل بشري هو لحظة تطورية جديدة.
Bog aan la aqoon