Sidaas Ayaa La Abuuray: Sheeko Dheer
هكذا خلقت: قصة طويلة
Noocyada
وأخذنا نتحدث، وجعلت أذكر لابنتي وقد حلت عقدة لساني ما يجب عليها لنفسها ولجنينها في أثناء حملها، وكان زوجها يسمع لحديثنا، وعلى محياه أمارات السعادة ولا يقول شيئا، وفيما نتحدث دخل علينا ابني وزوجه، وكانا قد عرفا النبأ السعيد قبلي فشاركانا في حديثنا، وأراد ابني لهذه المناسبة أن يصرفني عن الحج هذا العام لأبقى إلى جانب أخته، فقلت له إن حجي وزيارتي لن يطولا أكثر من ستة أسابيع، وإن أخته لا يزال أمامها في الحمل أكثر من ستة أشهر، وما كنت لأعدل عن الوفاء بنذر نذرته والسبيل مهيأ للوفاء به.
وحججت وزرت ووهبت حجي وزيارتي لزوجي، ولم يستغرق ذلك كله ستة الأسابيع التي ذكرتها لولدي، ووقفت ساعة الوداع أمام المقصورة النبوية، وهتفت بصاحبها - عليه أفضل الصلاة والسلام: «معذرة نبي الله ورسوله! لقد حرصت على أن أبقى في جوارك حتى يختارني الله إلى جواره، فأنعم في عالم الأرواح بطمأنينة السكينة الأبدية، فأبى القدر إلا أن أعود إلى وطني وأهلي، وأنتظر هذا المولود ليرد إلى أهله وإلي نعمة الحياة، وليحملني من جديد أعباءها، فكن شفيعي عند ربي ليجعل لنا من هذا الحفيد سعادة ونعمة.»
وعدت إلى مصر وبقيت إلى جوار ابنتي حتى تم وضعها، فأسمت الوليد باسم جده - أبيها - واستأثر هذا الوليد البريء بكل ما في قلبي من حنان وبر، ونظرت إليه يوما وهو بين ذراعي، وقلت في نفسي: ترى لو أن جده زوجي الأول كان اليوم حيا، أفما كان قلبانا يجتمعان حول هذا الطفل يحوطانه بأجمل ما ينبضان به من عواطف؟ ولم ألبث حين مر هذا الخاطر بخيالي أن سألت نفسي: كيف سولت لي يوما أن أفكر في فصم كل صلة بيني وبين هذا الرجل، وأن أنسى أننا إذا انفصل جسمانا فمصير قلبينا إلى اجتماع حول حفيدنا، وأن الحكمة تقتضينا لذلك أن نعالج بالصبر أهواء الحياة؟ فأهواء الحياة قلب، وأساس الحياة الحق المحبة، فإذا استبقيناها في قلوبنا أبقينا على خير ما في الحياة، بل أبقينا على أساس الحياة وسر وجودنا فيها.
وجعل الطفل ينمو فيزيد نموه في محبتي إياه، فلما انقضت أشهر على مولده، وآن موعد الحج وفيت بنذري فحججت وزرت، ووهبت حجتي وزيارتي لجده، ثم عدت إلى مصر متشوقة أشد الشوق لاجتلاء ابتسامته. وجاء ولدي إلى السويس يستقبلني، وفيما نحن في طريق الصحراء إلى القاهرة زف إلي البشرى بحمل زوجه، وبأنني سأصبح عما قريب جدة لولده كما أنني اليوم جدة ابن أخته، واغتبطت وقبلته ونحن في السيارة تنهب بنا الأرض إلى غايتنا، فلما بلغت بيتي ألفيت ابنتي وزوجها وابنها وزوج ولدي في انتظاري، ثم ألفيتهم جميعا يقبلون علي يقبلونني ويرجون لي حجا مبرورا، وتناولت الطفل العزيز من أمه وقبلته وضممته إلى صدري، وشعرت به فلذة من قلبي.
وفي المساء ذهبنا جميعا نتناول العشاء في بيت ولدي، وجلسنا كلنا في بهو الاستقبال وفيه صورة زوجي الأول، وكأنه ينظر بعينيه الثابتتين إلى بنيه وحفدته .
عند ذلك أيقنت بأن الله أكرمني بأن لم أعقب من زوجي الثاني، وإن حز في نفسي ما تيقنته من أن هذا الرجل الذي أنقذني وأكرمني سيصبح عما قليل نسيا منسيا.
أتراني أستطيع بعد اليوم أن أفكر في العود إلى المدينة المنورة لأقيم في رحابها حتى يقبضني الله إليه بها فأدفن في ترابها؟ أم أن الحياة أمسكتني هنا مع أبنائي وحفدتي الأبرياء حتى أرقد الرقدة الأخيرة في صحراء القاهرة؟
وهل أنعم الله علي بهؤلاء الحفدة ليكونوا عزاء كهولتي وشيخوختي؟ أم أن الحياة لا تزال تعد لي من بأسائها ما يضطرب قلبي لمجرد تصوره؟
علم ذلك كله عند ربي، والحمد لله الذي وهبني على الكبر نعمة العود إلى الحياة والمتاع بها من جديد مع حفدتي الأطفال الأبرياء.
خاتمة
Bog aan la aqoon