Sidaas Ayaa La Abuuray: Sheeko Dheer
هكذا خلقت: قصة طويلة
Noocyada
وتراخت الشهور يتلو بعضها بعضا وتكاد نفسي تضيق بها، وإنني لكذلك إذ عاد ولداي يوما من عند أبيهما متجهمين وفي أعينهما أثر البكاء، قلت: «ما بكما؟» قالا: «إن أبانا مريض اشتدت به الحمى ولم نستطع المكث معه إلا قليلا، ولم نستطع مغادرة بيته قبل الموعد الذي تعودنا أن نغادره فيه.» وخيل إلي أن هذه فرصة سنحت لمنعهما من الذهاب إليه محافظة على صحتهما حتى لا تمتد إليهما العدوى منه، وجاء زوجي فذكرت له ما مر بخاطري فقال: «ليس هذا من حقك إلا أن يمنع الطبيب دخولهما عنده، لقد أكرمك الرجل فلا تشقي عليه في علته، وسأستفهم عن الطبيب الذي يعالجه حتى نستطيع تتبع أخباره، والله أرجو من كل قلبي أن يتم شفاءه.» وبدت علي الدهشة لما قال فأردف: «إننا يا عزيزتي عرضة كلنا للسقم وللعجز وللموت! وليس يشمت بإنسان في هذه الحالات إلا نذل وضيع، وقد كان مطلقك زوجك كما كان صديقي، وإذا جاز لنا أن نخاصمه وهو في صحته، فأقل ما توجبه المروءة علينا أن نتألم لحاله وهو في علته، وأن نرجو له الشفاء.»
وأطرقت لسماعه وتولاني العجب أن تصدر عنه هذه العبارات بعد الذي عرف من اتهام مطلقي إياه بخيانة العهد، وخفر ذمة المروءة، وبعد أن كان حريصا على أن يستأنف الحكم الذي صدر لمصلحة مطلقي لينتقم لنفسه منه في مرافعة محاميه. عند ذلك أيقنت أن في بعض النفوس الإنسانية عنصرا يسمو على الحقد ساعة عسرة الصديق، وأن للصداقة قدسية لا يكفر بها إلا الجاحدون!
وأخبرني زوجي الغداة أنه عرف الطبيب المعالج الذي يتولى العناية بمطلقي، وأنه سأله عن حاله فقال له إن ما به من حمى لا يمكن تبين نوعه قبل بضعة أيام وقبل التحليل، ولما سأله: أتجوز زيارته؟ طلب إليه أن ينظره خمسة أيام ثم يبدي في الأمر رأيا، وفي ختام الأيام الخمسة قال إنه لا يرى بأسا بالزيارة على ألا تطول. ونبهت المربية إلى ذلك وقلت لها إنها إن استطاعت أن يبقى الولدان لا يدخلان على أبيهما حتى يجيء الطبيب فيدخلان معه كان ذلك خيرا، ونفذت المربية ما ذكرت، ثم عادت مع الولدين لموعد الغداء فأخبرتني بأنها تأثرت أشد التأثر حين رأت مطلقي وقد هده المرض وأضنته الحمى.
وبعد أيام دق التليفون وأخبرني المليونير أنه يريد أن يراني، وجاءني في الموعد الذي ضربته له وأخبرني أن مطلقي دعاه إلى سرير مرضه وطلب إليه أن يدفع إلي نفقة الولدين، وأضاف أنه يخشى على حياة الرجل من هذا المرض، فلما رآني المليونير صامتة قال: «ولست أدري إذا أصابه المقدار كيف أقتضي ديني، لقد باع كل ما يملك جزءا بعد جزء، وقد أصبح مستغرقا، ولولا مرضه، ولولا أن ما طلب إلي أن أدفعه اليوم يتعلق بنفقة طفلين بريئين، لما قبلت أن أدفع عنه شيئا إلا أن يجيئني بضمان مليء يتضامن معه في سداد ديونه.» وسكت بعد ذلك هنيهة ثم قال: «أوتقبلين يا سيدتي أن تضمنيه أو يضمنه زوجك ولك ما تشائين؟» فابتسمت ابتسامة ساخرة وقلت له: «ليتك لم تقبل يا سيدي دفع نفقة الطفلين اليوم لتأخذ مقابلها ضمان تضامن مع مطلقي، وأنا أعفيك من دفع هذه النفقة إن شئت.»
قال الرجل: «لقد أسأت فهمي يا سيدتي، إنما أردت أن تتصل العلاقة بيني وبينك، إذا حم القضاء في هذا الرجل المريض.»
قلت: «شفاه الله يا سيدي ولا أحوجك أن تتصل هذه العلاقة، وما أحسب مرضه من الخطورة بما ترى.»
وانصرف الرجل بعد أن دفع نفقة الولدين، كما أراد مطلقي، فلما جاء زوجي وأخبرته بما حدث وأظهرت العجب له، وبخاصة بعد الذي كان يبديه المليونير من محبة لمطلقي وإخلاص لصداقته، قال: «لا تعجبي، إن رجال المال هؤلاء لا يخلصون لشيء غير المال ، ولا يؤمنون بشيء غيره؛ هو دينهم وعبادتهم بعد أن بذلوا للحصول عليه ما يأنف الرجل الكريم من بذله، ولو أن مطلقك مات - لا قدر الله - لرأيت هذا الرجل يظهر أمامك وفي يده من الوثائق التي احتاط بها لنفسه ما لا يدور بخاطرك، وهو إذ طلب ضمانك أو ضماني إنما أراد مزيدا من الاحتياط، ولعله هو الذي اشترى ما كان يملك مطلقك أو أكثره، هذا إذا لم يكن قد ارتهنه قبل بيعه لديونه، وحسنا فعلت إذ رفضت ما طلبه منك حتى لا يكون تردده علينا من بعد مثار شبهة، أيسر معانيها أننا مدينون له، وخير عندي أن يبيع الإنسان بعض ملكه من أن يستدين من هذا الرجل.»
لم يعنني أمر المليونير بعد أن رفضت طلبه، وإنما عناني ما ذكره من أن مطلقي باع ما يملك جزءا بعد جزء، أترى اضطره لذلك ما أنفقه في أسفاري، ولإصلاح البيت الذي كنا نقيم به وتجديد أثاثه، ولغير ذلك من مطالبي؟ أم أنفقه مذ كان يعاون صديقتي لاستخلاص ميراثها وميراث أبنائها؟ وأيا كان سبب إنفاقه، ألم يكن واجبا عليه أن يقدر لمستقبل ولديه حتى لا يتركهما فقيرين عالة على غيرها؟ ولكن لا عجب، فهذا الرجل كما وصفه زوجي من سنين، من طراز الأعيان الذين يبددون كل ثروتهم في سبيل التظاهر بأنهم من أهل الثراء، وكل ما أكسبه إياه تعليمه العالي، وما أكسبته إياه أسفاره وتجاربه، لم يزد على طلاء ظاهر يستر الفلاح الكامن وراءه، ثم لم يغير من طبعه شيئا، أولو حم القضاء فيه فماذا يكون مصير هذين الصبيين؟! أحسبني يومئذ في حل من أن أحمل زوجي على أن يتبناهما وأن ينتسبا إليه، ثم لا يكون لإنسان أن يلومني على ما فعلت وقد أردت خيرهما وكفالة مستقبلهما.
وعنيت بتتبع الأنباء عن مطلقي وسير مرضه، وقد وثق زوجي صلته بالطبيب المعالج، وكان يسأله كل يوم عن حال مريضه، ثم يحمل إلي ما يبلغه من الأنباء، ولقد طال هذا المرض حتى مله المريض نفسه، برغم تردد أصدقائه الكثيرين عليه ، وإبدائهم أرق العواطف نحوه، ودعائهم له بالشفاء والعافية. لقد كانوا مخلصين في دعائهم؛ لأن الرجل كان في نظرهم مثال الطيبة والوداعة ودماثة الخلق، ولأن عطفهم اشتد عليه منذ طلقت منه اقتناعا من بعضهم بأنني كنت ظالمة له، متجنية عليه، ومن الآخرين بأنه كان سيئ الحظ غير موفق في زواجه.
وفكرت حين طال به المرض أن أحجب ولديه عنه، محتجة بأنه يشتد تأثره حين يراهما فيسوء أثر ذلك في صحته، لكن زوجي لم يرض ما أردت، بحجة أن امتناع الولدين عن زيارة أبيهما يدخل في روعه أن الطبيب هو الذي منعهما خوف العدوى من مرض فتاك، وأن هذا الوهم إذا تمكن من نفسه فقد يقضي على حياته. وأهاب بي زوجي - بعد أن ذكر لي حجته هذه - ألا أحمل هذا الوزر لجسامته، فإذا قضى الرجل نحبه - لا قدر الله - بقي ضميري يؤنبني ما بقيت من أيام حياتي.
Bog aan la aqoon